متداولة لمخيمات أطمة

نساء وأطفال على حصيرة، تظلهم شجرة زيتون في ريف إدلب الشمالي ومناطق "غصن الزيتون"، سيارة هنا وأخرى هناك تبحث عن منزل للإيجار أو حتى غرفة، وجوه شاحبة تعلوها ملامح إرهاق الصيام، رجال في الغالب تجاوزوا الستين يضربون الكف بالكف تعبيراً عن العجز وقلة الحيلة أمام الأفق المسدود.. هذا هو المشهد العام الذي طغى على ما سواه في الأسبوعين الأولين من رمضان.
 
ذلك حال آلاف العائلات المهجرة من المناطق التي بدأ الاحتلال الروسي ومليشيات الأسد بحملة تدمير ممنهجة ضدها. العائلات التي لم تستطع أن تأوي إلى أحد المخيمات المنتشرة على امتداد الجدار التركي الفاصل لم تجد بداً من افتراش الأرض والتحاف السماء بجوار تلك المخيمات، بحثا عن فرصة لامتلاك خيمة عن طريق مئات المنظمات العاملة التي وقفت عاجزة أمام موجة النزوح الكبيرة. لكل عائلة قصة مختلفة للفرار من تحت البراميل والأنقاض يرويها محدثونا.
 
تبدأ المعاناة مع تأمين سيارة لنقل ما يمكن من المستلزمات الضرورية، والمشكلة الأكبر تكمن في إيجار سيارة النقل الذي يصل إلى مئة دولار أحياناً، بينما المعاناة الثانية هي في محاولة الدخول إلى مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات التي بدأت من الطوابير على الحواجز وانتهت بمنع نسبة كبيرة جداً منهم الدخول إلى مناطق غصن الزيتون على مدار عدة أيام، ليفسر المنع "بأوامر تركية لمنع إفراغ إدلب من السكان ما يحقق رغبة روسيا والنظام في ذلك" أو "تماشياً مع سياسة تركية في عدم إنشاء مخيمات عشوائية جديدة"، الأمر الذي تبين صحته بعد فتح الطريق أمام النازحين بعد مرور عدة أيام فقط.
 
أما المعاناة الثالثة والأصعب كانت في تأمين مكان السكن، فكثر ممن منعوا من دخول المخيمات عادوا أدراجهم إلى محيط مخيمات أطمة، التي رفضت استقبالهم بحجة "عدم توفر إمكانية تخديمهم"، أما من حالفه الحظ من أصحاب القدرة المادية استطاع أن يتدبر منزل بإيجار خيالي وصل إلى ثلاثة مئة دولار أحياناً، وأما الأقل حظاً فقد اجتمع كل أربع أو خمس عائلات منهم على دفع إيجار دكان بمبلغ خمسون دولار، وتبقى النسبة العظمى في العراء.
 
من عبروا إلى مناطق غصن الزيتون كان حالهم أسوأ، فإضافة إلى منعهم من دخول المخيمات في الغالب، فقد تم طردهم من جوارها كما حدث في محيط مخيم دير بلوط والمحمدية حسب ما أخبرنا بعض الشهود، وعند محاولة تبين حقيقة الأمر عن طريق إدارة المخيم، رفض من تواصلنا معهم الإجابة، مع أنباء عن استقبال عدد محدود جداً من العائلات عبر الوساطات أو عن طريق معارفهم الذين تقاسموا معهم نفس الخيمة.
 
في نفس السياق أعلنت إدارة مخيم الشبيبة المخصص للاستقبال المؤقت في أعزاز عن جاهزيتها لاستقبال العائلات المهجرة بعد إفراغه من قاطنيه المهجرين من جنوب دمشق مؤخراً، وكذلك الأمر فعلت إدارة مخيم شبيران في مدينة قباسين، على أنه في غالب الأمر لم يسمع المهجرون بهذه الإعلانات، ومن سمع بها أعدم حيلة الوصول إلى تلك المخيمات التي تعتبر بعيدة نسبياً عن أماكن موجات النزوح، مع ملاحظة عودة بعض العائلات باتجاه مخيمات أطمة بعد أن عجزت عن تأمين مأوى لها في مناطق غصن الزيتون.
 
أم محمد في العقد السادس من العمر أم لشهيدين والثالث تركته على خطوط الجبهات، فرت من جبل الزاوية نتيجة القصف الشديد مع أحفادها، تقول: "منذ أسبوع هذا حالنا متواجدين تحت أشجار الزيتون بانتظار أن تأتي أي منظمة لتبني هذا التجمع الذي يشمل أكثر من خمسين عائلة، لم يتم مد يد العون لنا إلا عبر مساعدات بسيطة أحياناً، متمثلة بحقيبة منظفات أو وجبات إفطار صغيرة".
 
علي طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره، أخذ الصيام منه كل مأخذ، فر مع جدته وأمه من قرى جبل الزاوية أيضاً، أكثر ما يقلقه هو مصير والده المتطوع في فرق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يقول: "خرجنا من تحت غارات الطيران المتلاحقة، خمس طائرات حربية وثلاث مروحيات كانت تتناوب على قصفنا تباعاً، خروجنا أحياء كان يعتبر ولادة جديدة". وعلى مرأى منهم تحاول فاطمة جاهدة أن تبني خيمة مستخدمة شادر تلفه حول الشجرة، لا معيل لها بعد أن فقدت زوجها في قصف سابق، وكان أهم ما اشتكت منه هو قلة المياه وخاصة وقت الإفطار.
 
يلخص الأستاذ نادر مدير مخيم التنمية في أطمة، أن سبب هذه الأزمة في استقبال النازحين هو الأعداد الكبيرة التي لم يكن هناك استعدادات مسبقة لاستقبالها، مع ضعف الإمكانيات وقلة الدعم الذي بات شبه معدوم مؤخراً. يقول "من قرابة أسبوع إلى الآن تواجد بجوار المخيم بين الأشجار عشرات العائلات بحثاً عن مكان يأوون إليه، ليس لدينا قدرة على استيعابهم أو تقديم الخدمات لهم؛ طبعا هذا حال كل المخيمات المحيطة بنا، والمنظمات الدولية والإنسانية صاحبة القدرة لم تحرك ساكناً إلى الآن".
 
أما الحملات الشبابية لمحاولة التخفيف عن النازحين بجهود متواضعة وحسب الإمكانيات المتاحة، فهي غالباً ما تقدم وجبات الإفطار لا أكثر