في إدلب.. عصفور الزينة فرد من العائلة ووسيلة للرزق

قرية المسطومة - إدلب

ربما يبدو عبثياً أو غريباً للكثيرين منظر نازح أو مهجر ينتظر بمعاناة على أحد المعابر المتعددة في سوريا أو على حدودها، وهو يحمل قفصاً يحتوي على عصافير للزينة، كذلك هو الحال مع أيٍّ من قاطني المخيمات الحدودية في إدلب أو غيرها، حين يعاني الأمرين لتأمين قوت يومه ودفء أفراد أسرته ولكن ذلك لا يمنعه من التفكير بقوت عصافير الزينة التي يربيها ودفئها، أو الاهتمام بكل تفاصيل حياتها بغض النظر عن كون تلك العصافير مصدر رزق من عدمه. رغم أن صيد الطيور بأنواعها ومن ضمنها عصافير الزينة التي انتهى موسمه مؤخراً، يعد من الأعمال الرائجة في سوريا ويتم تسويق أعداد كبيرة منها لبلدان الجوار.

بالرغم من أن غرفته صغيرة ومكان سكنه ضيق وغير مكتمل التجهيز، إلا أن أبو نديم لا يستغني عن عصافير الكناري؛ كان قد خصص لها أقفاصاً مناسباً علقها بعناية على جدار الغرفة المتواضعة والمسقوفة بألواح التوتياء، بعد أن حملها في رحلة نزوحه من بيته في قرية حاس في ريف إدلب الجنوبي إلى شمالها في مخيم أطمة. والآن مع برودة الطقس في الشتاء، يحرص أبو نديم على وضع الأقفاص داخل غرفة الجلوس حيث يستطيع تأمين الدفء لها، كأنها فرد من العائلة.

يمتهن أبو نديم (40 عاماً) تربية عصافير الزينة وصيدها من الطبيعة مباشرة من أجل تربيتها والتجارة بها لكسب المال. وعن رحلات صيد العصافير التي يخرج إليها مع رفاقه يروي أبو نديم: "نختار رقعة أرض مناسبة بين أشجار دركوش لنمد شِباك صيد الطيور، نضع قربها قفصاً صغيراً في داخله طائر حسون ليجذب بصوته الطيور العابرة فوق المكان ويدفعها للاقتراب من الشباك، ثم ننتظر وصول الطيور إلى شباكنا لنسحب الخيط الذي مددناه إليها من مكان مخفي لنحكم إغلاق الشباك ونتأكد من حبس الطيور بداخلها".

يستعمل أبو نديم وصيادون من رفاقه في المنطقة الحدودية، أساليب أخرى لصيد الطيور لا تقل متعة وحنكة عن غيرها في أماكن أخرى للصيد، مثل طريقة "الشبك المحمول"، وهو شبك يحاك من خيوط شفافة ناعمة لا يمكن للطائر رؤيتها، وينصب بين الأشجار على ارتفاع يصل إلى ثلاثة أمتار على أمل أن تعلق الطيور به أثناء تنقلها من شجرة إلى أخرى، بينما يعمد صيادون آخرون إلى دهن أغصان الأشجار التي ترتادها الطيور بمواد لاصقة لتعلق ويتمكن الصياد من التقاطها بحسب أبي نديم.

يفرز الصيادون الطيور التي حصلوا عليها بحسب أنواعها ولونها، ليقوموا ببيعها لمحبي الطيور وهواة تربيتها أو مربيها من التجار. من بين الأخيرين سامر من مدينة كللي (30 عاماً)، فهو يشتري العصافير بأنواعها من الصيادين ويربيها في محل مجهز بكل وسائل العيش للعصافير من طعام وشراب ومدفأة لمقاومة البرد.

محل سامر ليس مجرد مكان للعمل، بل ربما أمكن القول أنه مكان للعمل في وقت فراغ الأنس والمتعة، إذ يقضي سامر مع الرفاق وأصحاب المهنة في هذا المكان "أجمل وأمتع الأوقات" في السمر والتسلية على حد وصفه، بحيث لا تقف المتعة عند تصنيف العصافير بحسب أنواعها وسعر كل نوع، إذ يختلف السعر حسب درجة جمال العصفور وشكله، لكن المتعة تشمل الشغف برعاية تلك المخلوقات بحد ذاته، إلى جانب الاستمتاع بوجودها وتفاصيل حياتها التي يساهم القفص في جعل تلك التفاصيل من حركات وسكنات وأصوات وتعامل فيما بينها، للفرجة والمتعة.

يمتد موسم صيد الطيور في سوريا من بداية شهر تشرين الثاني حتى أواخر كانون الثاني، وهو موسم هجرة الطيور من المناطق الباردة مثل أذربيجان وأرمينيا وروسيا إلى المناطق الأكثر دفئاً في جنوب تركيا وشمال سوريا.

راغب يعمل صياداً محترفاً للعصافير، ويفيد بأن عدد الطيور في منطقة عفرين أكثر بكثير من المناطق الحدودية الأخرى، لذلك فالصيد هناك أوفر حظاً ويؤمن أرباحاً جيدة للصيادين برغم بعد المسافة، لذلك  اعتاد الخروج برفقة أصحابه في رحلات مستمرة إلى تلك المناطق. تمتد رحلة الصيد حتى 15 يوماً يقضيها الصياد في بساتين عفرين، ويمكن أن يصل عدد الطيور التي يصطادها إلى 250 طيراً.

غالبية الطيور التي تقع في شباك الصيادين من نوع الحسون، وهو من أهم الطيور التي يرغب الصياد بإمساكها، إذ يتراوح سعر طائر الحسون العادي بين 100 إلى 200 ليرة تركية تبعاً لعمره وشكله، بينما قد يحظى الصياد بأحد طيور الحسون المميزة والتي تعد "طفرة" مثل "الحسون المحروف والحسون الأبيض"، ويتراوح سعر الواحد منها بين 700 و1000 دولار.

مؤيد  شاب من كفرنبل مولع بتربية الطيور رغم المصاعب والعراقيل التي واجهته أثناء نزوحه بسببها، وعن ذلك يقول: "خسرت عشرات الطيور التي كنت أربيها للتجارة أثناء إقامتي في كفرنبل بعد استهداف الطيران مكان وجودها، لكني تمسكت بالمهنة ونقلت ما تبقى من الطيور إلى كللي بعد نزوحي".

وفّرت تربية الطيور مصروف عائلة مؤيد بشكل كامل بسبب مهارته ودرايته في تربية أنواع عديدة من العصافير، لاسيما أن أسعارها ارتفعت بعد توقف كثير من المربين عن عملهم بسبب ظروف الحرب.

يقسم مؤيد أنواع هذه العصافير إلى قسمين؛ قسم يعيش ضمن الأقفاص كعصفور الكناري، وقسم آخر يعيش حراً كطائر الحسون، إذ يشتريه من الصياد لمحاولة تدجينه وتدريبه على الحياة في القفص وإلى جواره للاستفادة من تكاثره وللاستمتاع بصوته الشجي. يوضح مؤيد: "عملية التدجين بالغة الصعوبة وتنجح بنسبة 40% بسبب طباع الطائر الصعبة، وتتعرض كثير من الطيور للموت بعد وضعها في قفص".

يسعى مؤيد لشراء الطيور من الصيادين ويضعها ضمن المحل الذي خصصه لتربيتها، بعد أن وفر فيه الأجواء المناسبة لحياتها مثل الدفء والتهوية الجيدة والطعام المناسب لكل صنف، وبعد أن تعتاد تلك الطيور على حياة الأقفاص يعرضها للبيع، وبهذا يحقق أرباح كبيرة من خلال التربية والتفريخ (المكاثرة)، بحسب مؤيد الذي أكد أنه يعيش من هذه المهنة.