الاقتصاد الإلكتروني البديل من خيمة في إدلب

يمكن تلخيص يوم العمل في جمع الكوينز من الخيمة بالتالي: الاستيقاظ متى شئت لكن صباحاً، وفنجان قهوة بسكر حسب الرغبة، أما الإفطار فلاحقاً ربما أثناء العمل، ثم الدخول إلى “تطبيق yalla”، حيث ستقضي خمس ساعات في الحد الأدنى، متنقلاً بين عدة حسابات مختلفة تديرها في غرف الدردشة لجمع "الهدايا" التي سوف تستبدلها بالكوينز.

يسهل ربط عمل المهجرين في المخيمات على الأنترنت بسوء الأحوال المعيشية والبطالة وقلة الأجور وعدم تناسبها مع الغلاء، إذ بلغت نسبة العاطلين عن العمل من الذكور بحسب إحصائيات "منسقو استجابة سوريا" 55%، فيما ارتفعت نسبتها بين النساء إلى 86%، بينما تصل نسبة العاطلين عن العمل بين المهجّرين إلى 81%، وتتجاوز نسبتها بين النساء المهجرات 96%، وبذلك يكون العمل على الأنترنت إحدى وسائل الربح القليلة التي لا تحتاج لرأس مال، بل لا يتطلب الأمر أكثر من موبايل وشبكة جيدة وبعضاً من الوقت يومياً؛ لكن العمل يتعدى ذلك.

يستعمل الساعون إلى الربح من العمل على الإنترنت في المخيمات تطبيق الكوينز، العملة الرقمية التي يتطلب جمعها إنشاء حساب في التطبيق والدخول إلى غرف الدردشة الصوتية وجمع الهدايا، التي يعد جمعها وتحويلها إلى كوينز وإعادة بيعها محور العمل الذي يدر الربح على مستخدمي التطبيق، ويجعلهم أكثر انخراطاً في ما يمكن تسميته ب"الاقتصاد الإلكتروني البديل" الذي تنامى مؤخراً.

أسامة الحمدو (٣٥ عاماً نازح من كفرنبل إلى مخيمات حربنوش) اتخذ من تطبيق yalla مصدر عمل له بعد فقدانه لأرضه الزراعية التي كانت مصدر رزقه الوحيد إبان نزوحه منذ أكثر من عامين، فمن الصعب الانخراط في سوق عمل يعاني من شح الفرص وكثرة الأيدي العاملة. يشرح أنه أصبح متقدماً في عمله الإلكتروني الذي يأخذ غالبية وقته، لأنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه على التطبيق حصل على "الهدايا والجوائز" منه، وأدى إلى تقوية حسابه الذي يمكن أن يصل لمستويات عالية يتضاعف معها الحصول على الهدايا بشكل تلقائي.

يقول أسامة: "أنشأت عدة حسابات بأسماء وهمية لجمع أكبر قدر من الهدايا بهدف بيعها لذات المستخدمين، الذين يعمدون إلى إعادة نثرها في الغرف بعد شرائها".

يعود العمل في جمع الكوينز على أسامة بدخل شهري يقدر ب ١٠٠دولار، يستعين بها في الإنفاق على عائلته، بالإضافة إلى ما يحصل عليه من مساعدات إغاثية شهرية؛ واليوم لا يجد حرجاً من قضاء معظم وقته بالعمل على تطبيق الدردشة، فهو خرج عن كونه مجرد تسلية أو مضيعة للوقت، وبات مصدر رزقه الوحيد.

العمل في "الاقتصاد الإلكتروني البديل" من المخيم لا يفرق بين الأشخاص على أساس الجنس، ما يجعله مكاناً مناسباً للراغبات بكسب عيشهن بعيداً عن المعايير الاجتماعية لسوق العمل. ريم الصطوف (٣٠ عاماً) لا تملك شهادة أو خبرة مهنية تمكنها من العمل، منذ أن وجدت نفسها المعيلة لأبنائها الثلاثة بعد وفاة زوجها أثناء القصف الذي طال مدينتها معرة النعمان أواخر 2018، لتجد في كسب المال عن طريق الإنترنت عملاً يمكنها من الاعتماد على نفسها في تأمين قوت أبنائها.

تعتبر ريم عملها أمراً ممتعاً كونه عبارة عن غرف دردشة جماعية، يجلب التسلية والربح ويمكنها من التعرف على الكثير من الأصدقاء عبر العالم، عدا عن كون القسم الأكبر من وقتها تقضيه بين أطفالها، إما في جمع الكوينز، أو في العناية بهم وأداء الأعمال المنزلية الروتينية من طبخ وتنظيف وغسيل.

وتشرح القيمة الافتراضية للهدايا: يخت يعني 1999 كوينز، الطائرة 1200، السيارة 1900، النرجيلة والفنجان 29. وتوزع هذه الهدايا على أعضاء المجموعات من قبل المشرفين، بينما تباع الكوينز التي يتم جمعها عن طريق وكلاء في الشمال السوري، بواقع 4 دولارات لكل 1000 كوينز.

لكن العمل على "أرضية إلكترونية" لم يمنع من محاولات "تطويقه" بالمعايير الاجتماعية، التي جاءت هذه المرة من "المجلس الأعلى للإفتاء في الداخل السوري"، على شكل بيان "تحريم" الكسب من جمع الكوينز "لاحتواء تلك الغرف على أمور تنافي الأخلاق، ولها خصائص تتعلق بالقمار والميسر والغش والتحايل". وأضاف البيان أن "تطبيقات جمع الكوينزات تعد بيئة خصبة للفتن واستغلال النساء ونشر الفواحش بين المسلمين".

من جهتها حذرت المرشدة الاجتماعية جمانة الأيوب (٤٠ عاماً) من مغبة تعلق الكثير من الفئات بهذا العمل الذي من شأنه أن "يؤطر أفق أحلامهم وطموحاتهم ويحصرها بمجال جمع الكوينزات والغرق في عالم افتراضي وهمي يدمنون عليه" ويصرفهم عن "الدراسة والإنتاج والعمل الحقيقي للنهوض بمجتمعهم عن طريق التعليم والخبرات المهنية".

ولكنها من جهة أخرى تمنحهم عذراً لأن "الضرورات تبيح المحظورات"، فهم بحاجة لعمل ومصدر يدر عليهم المال ليستعينوا به على قضاء حوائجهم في ظل ما يعيشه السواد الأعظم من المدنيين من فقر ونزوح وانعدام فرص".