عبد المجيد الكواكبي في ديرالزور.. أكثر من لعبة بيد الآخرين وأقل من محافظ

لا يختلف محافظ ديرالزور الجديد عبد المجيد الكواكبي عن موظفي الأسد الصغار في هذا المنصب، من حيث قبولهم لعب أدوار ثانوية كواجهات، وانتمائهم الشكلي للنظام، وولائهم المطلق لأنفسهم. لكنه يختلف عنهم بأنه أكثر حذراَ في ولوج لعبة المال والسلطة، في ظل اقتسام السلطات الحالي في سوريا الأسد بين إيران وروسيا، والقوى المحلية والإقليمية التي تدور في فلكهما، كما أن علاقاته أكثر زخماَ وتعقيداَ وقرباَ من (سوريا العصرية)، ثم أنه من جيل الشباب، وليس له أي خلفيات عسكرية أو أمنية.

يغيب حزب البعث عن معادلة الكواكبي في ولوجه حياته العامة الجديدة، التي تظهر من الرسائل الضمنية في منشوراته على صفحته في الفيسبوك، رغم أن الحزب أوصله لمجلس الشعب في العام 2016، لكن ما يغيب هنا ظل يظهر في كتابته التقارير للأمن ضد زملائه المحامين المعارضين في بداية الثورة، كما يتذكر بعضهم. بينما تظهر رسائل أخرى، إلى جانب ترويجه لهواه الشيعي، أو استثماره المربح!، فهناك اسم عائلته المعروفة، ونسبه الذي يحاول تشعيبه ودمجه مع جماعات عراقية أو إيرانية يجمعه بها «النسب الهاشمي الحسيني» عبر كتب التراجم والنسب الصفراء، و«التاريخ المشترك والروابط المتميزة» كما قال في غير مرة، في حين يفتتح أعماله في ديرالزور بخطابات جاهزة عن «سوريا العصرية والإصلاح الاجتماعي وتطوير العمل الديني»، ونشاطات للمركز الثقافي الإيراني!

لم تكن علاقة الكواكبي بالتشيع وليدة بداية السنة الفائتة، فهي تعود لأزيد من عقد من الزمن، دشنها باحتفالات وترويج لانتصارات لحزب الله حين كان يعمل كمسؤول عن نشاطاته وجمع التبرعات له في حلب، وزيارات متكررة لمعقله في الضاحية الجنوبية، أو في إيران!، بمباركة من آية الله عبد الصاحب الموسوي، المستشار الثقافي السابق في القنصلية الإيرانية، وعرّاب الفكر الصفوي في الشام، كما يسميه البعض، ثم مؤسس (مركز آل البيت الثقافي) الذي ضم تحت جناحه، قبل الثورة، الكواكبي كفاعل اجتماعي وناشط بفعالياته في حريتان شمالي حلب. على أن الشاب الطموح، والمتعجل لاختراق جو السلطة، لم يكتف بالاندفاع في المد الثقافي السياسي الشيعي، فقد وازن الأمر بعلاقة من هنا، وأخرى من هناك، مع قادة مجتمع شباب دعمت اندفاعه، عبر شقيق زوجته آنذاك أوريا حاج أحمد مدير شركة الشرق للمنتجات الغذائية، الذي دخل في عدة فعاليات حاول من خلالها رأب الصدع مع الأكراد، بعد «أحداث القامشلي 2004».

يمكن القول إن الكواكبي لم يجد ضالته في «مشاكل الأكراد»، كما لم يستطع الاستثمار فيها، رغم الفرص التي أتاحها له زواجه الأول من المحامية المخضرمة والناشطة الاجتماعية روشان حاج أحمد، ثم علاقاته مع شخصيات في قيادة فرع حزب البعث في حلب، وأعضاء في مجلس الشعب، لكنه في هذا المجال ظل وفياَ للحس الحذر في الفئات الوسطى التي ينتمي إليها، حيث قادته خطواته المتأنية إلى المكتب التنفيذي لمجلس مدينة حلب منذ 2007 حتى 2011، مالفت إليه وزير الاقتصاد والتجارة محمد نضال الشعار في بداية الثورة، ودفعه لتوصية (رئاسة الجمهورية) بإيصال (ابن العائلة المحترمة) لرئاسة بلدية حلب، كما ظهر في الإعلام حينها.

يحتفي عبد المجيد الكواكبي على صفحته في الفيسبوك باقتباسات عديدة، إلى جانب صوره الشخصية التي تخلى فيها نهائياَ عن لحيته التي كانت تظهر في صورة انتماءه لنقابة المحامين قبل الثورة. يمكن جمع كثير من الاقتباسات تحت عنوانين، أحدهما التراث الشيعي من أقوال علي بن أبي طالب، والآخر اقتباسات مشاهير من شتى أنحاء العالم، على أن ما يجمع الاثنين رواج الاقتباسات بين جيل اليافعين والشبان من صفحات تتعمد نوعاَ من الدمج بين الصور الترويجية واللغة البسيطة، المليئة بالأخطاء الإملائية، وتستعمل مثل كليشيهات من الصعب الركون لنسبتها لأصحابها. لكن اللافت في الصفحة تكرار عبد المجيد الكواكبي، بما يشبه الوسواس القهري، لاقتباس يقول «قُدْ من الخلف واترك الآخرين يعتقدون أنهم في المقدمة»، الأمر الذي يشي أنه يعي جيداَ وضعه الجديد كمسؤول في قيادة محافظة طرفية، لا يملك من أمرها شيئاَ، خاصة أن النظام، ومن خلفه إيران، يرونها بقرة حلوب من الناحيتين الاقتصادية والديمغرافية، عدا عن كونها نقطة الوصل بين منطقتي السيطرة الإيرانية في الداخل السوري والعراق.

إلى جانب اقتباسات المحافظ الجديد، تظهر مقتطفات وصور من كتابات عبد الرحمن الكواكبي، جدّ المحافظ، وصور الأخير في مناسبات عدة مع مواطنين مسيحيين من حلب، وأعضاء في السفارة العراقية، التي تجمعه بالعاملين فيها علاقة جيدة، كونه رئيس لجنة الأخوة البرلمانية السورية العراقية، ولكن نشاطه الفيسبوكي لم يبدأ حتى نهاية العام 2016، حين سقطت أحياء حلب الشرقية بأيدي ميليشيات النظام وإيران وحزب الله والقوات الروسية. منذ ذلك الوقت استطاع الكواكبي تنفس الصعداء، والتخلي عن صورة البيروقراطي الحذر في الحياة العامة، والخروج إلى العلن عبر الفيسبوك في الشهر الأول من العام 2017، بأول اقتباس منسوب لعلي بن أبي طالب «اطلبوا حاجاتكم بعزة الأنفس فإن قضائها بيد الله». بركاكة الاقتباس وبأخطائه الإملائية، يدشن الكواكبي مرحلة جديدة من حياته العامة مع النظام السوري، ولكن بخلطته الثقافية العجائبية الجديدة، التي تجمع مباركة الإثراء السريع والتشيع الإيراني وتمجيد القوة الروسية، إلى جانب هلوسات لفظية تخص المقاومة الفلسطينية والصهيونية والمؤامرات العالمية، ثم العمل الوحيد الذي يشتغل عليه اليوم، وهو الإعداد لافتتاح معبر البوكمال الحدودي مع العراق.

ليس سهلاَ التنبؤ بمدى النجاح الذي سيؤدي به الكواكبي عمله الذي دُفع به من أجله إلى المقدمة، وسط سيطرة القوات المدعومة أمريكياَ على نصف المحافظة، لكن شبكة علاقاته الجديدة العابرة للولاءات ستساعده في ذلك، وتشمل جورج حسواني وأولاد مصطفى التاجر ورجل الأعمال الصاعد حسام القاطرجي، ومن خلفه أخوه براء، القائم بأعمال نقل النفط والحبوب من المنطقة الشرقية والجزيرة منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة. وليس سهلاَ، كذلك، التنبؤ بمدى النجاح الذي سيؤدي به الكواكبي عمله كمحافظ، في تنظيف الشوارع من القمامة، والحد من الفوضى في المحافظة، كما يتوقع منه أبناء ديرالزور الأكثر واقعية على صفحات الفيسبوك المحلية، في ظل الجو الميليشياوي الذي تعيش به ديرالزور، لكن الراغبين في استثمار إعادة الإعمار والتوطين، والباحثين عن قنوات لتصريف مساعدات مستحقة، سيساعدونه في ذلك، بمنظماتهم وقنصلياتهم وشركاتهم.

 من غير الواضح موقف عائلته «المعروفة بنزعتها العلمانية، كما يتردد في أوساط حلبية» من جرّها نحو الجو الثقافي السياسي الشيعي، على أن ما جرى في حلب قبل بداية العام 2017، انطبع حذراَ زائداَ على أسرة عادل الكواكبي من الجلوم الصغرى، المعاون السابق لمدير المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان بحلب، والد عبد المجيد، حين توجهت الأسرة إلى ألمانيا، حيث ماتت والدته من فترة قريبة. أما مغامرته التي وصلت به لكرسي محافظة ديرالزور فلن تذهب به أبعد من ذلك، ففي وسط صراعات مركبة ومتراكبة لن يكون له وزن فيها سوى كبيروقراطي، سيعود لحسّه الحذر الذي ورثه من الفئات الوسطى، رغم المنافع التي سيجلبها له عمله كشرطي مرور في ديرالزور لشحنات النفط والحبوب من الشرق إلى الداخل، واستقبال الإيرانيين، وتفريخ الجيوب الشيعية.