الحاج البعثي محمد شعبان عزوز وأبناؤه وإخوته

تبدو مسيرة محمد شعبان عزوز عضو القيادة المركزية لحزب البعث الذي توفي قبل أيام خالية من الإثارة؛ فبطء ولكن بثبات، تنقل عزوز من منصب إلى آخر، ابتداء من وظيفته في مؤسسة العمران الحكومية التي التحق بها منتصف ثمانينيات القرن الماضي قبل أن يتفرغ للعمل الحزبي والنقابي، ماراً خلال ذلك بعضوية مجلس الشعب.

جاءت النقلة الأبرز في هذه المسيرة بعد تولي بشار الأسد السلطة وشروعه في استبعاد تدريجي لرجال أبيه، الحال الذي أفسح المجال لعزوز ليصبح رئيساً للاتحاد العام لنقابات العمال، وهو المنصب الذي استقر فيه حتى العام 2013، وأصبح بعد ذلك عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث التي تغير اسمها لاحقاً إلى القيادة المركزية. في المراحل الأولى من صعوده كان محمد شعبان مديناً لأخيه الأكبر إبراهيم، البعثي المخضرم الذي تكفل بإزالة كل العقبات عن طريقه. في ذلك اعتمد إبراهيم على علاقته الوثيقة بمصطفى التاجر وحسن خلوف، الرئيسين المتعاقبين لفرع المخابرات العسكرية في حلب ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. ومن خلالهما أمسك محمد شعبان بمسلكه الصاعد، قبل أن تنقله رغبات بشار الأسد -ببناء طاقمه الخاص ثم في إحياء حزب البعث بعد اندلاع الثورة- إلى مراتب أعلى.

بين أعضاء القيادة المركزية لحزب البعث كان عزوز الأقل فساداً، ولولا أبناؤه لأمكن تصنيفه كمسؤول غير فاسد، إذ استفاد أكبر اثنين بينهم (عبد القادر وعماد) من نفوذ أبيهم للحصول على شهادة الدكتوراه وأصبحا أستاذي جامعة، واعتماداً على هذا النفوذ أصبح الابن الثالث (حسن) مقاول بناء وتاجر عقارات في المشاريع العمرانية الجديدة، ولا سيما الواقعة منها على أراض مغتصبة لملاك غائبين في مدينتي دمشق وحلب، وكذلك فعل تقريباً الابنان الأخيران. وكلما تزوج واحد منهم احتل إحدى الاستراحات العائدة للنقابات العمالية للإقامة الدائمة فيها، رغم امتلاكهم منازل عدة.

متجاهلاً ما يفعل أبناؤه، ظل محمد شعبان يرى نفسه بعثياً شريفاً ويتباهى أمام أصدقائه القدامى أنه يواظب على تأدية فروض الصلاة حتى أثناء مشاركاته في مؤتمرات خارجية، ويُجمع هؤلاء الأصدقاء على أنه "كان طيباً"، ولكن لا يحب التورط في تقديم خدمات كبيرة لبعض من يواجهون المتاعب، وإن كانوا ضحايا مؤامرات،. وحين يشتكي قادم من حلب لعزوز من مظلمة بعثية أو نقابية كان يكرر اللازمة ذاتها "طلَع لقدام، لازم تتفاءل وتتعب على حالك والمستقبل إلكن وقدامكن". ربما تعكس هذه النصيحة نظرة عزوز عن نفسه بأنه قد تعب عليها، وهو محق في ذلك إلى حد ما، فمن يحتمل في "سوريا الأسد" وعلى نحو جدّي، عناء المشاركة بيوميات حزب البعث على مدى عقود، أو عناء الاجتماعات الحزبية الطويلة واللقاءات والمناسبات -ومن دون متع حسية لاحقة أو مكاسب مادية كبيرة- سوى الحاج البعثي محمد شعبان عزوز!

قبل مئة عام تقريباً استوطن أبوه عبد القادر قرية الشيخ سعيد قرب مدينة حلب، بعد هروبه من قريته الأصلية الشيخ عيسى شمال المدينة، عقب شجار تسبب بمقتل شخص. وفي موطنه الجديد احتمى بعائلة ميدو الشرسة وكبيرة العدد قبل أن يلتحم بها بسلسلة مصاهرات، ولمزيد من الحماية عمل إماماً لمسجد القرية، غير أن ذلك لم يمنع استضعافه واستضعاف أبنائه حتى التحاقهم بالسلطة، ابتداء من إبراهيم الذي أصبح عراب الأسرة وصانع رأسمالها السلطوي، معتمداً على مهارته في تأسيس العلاقات مع قادة حزب البعث وضباط المخابرات جيلاً فجيل، وبدءاً من أمين الحافظ أول رئيس بعثي لسوريا.

تاريخ إبراهيم عزوز الممتد فضلاً عن جرأته وذكائه النسبي، جعل منه شخصية غنية ومحبوبة ومؤثرة وسط مجتمعه. وبعد مقتله وزوجته واثنتان من بناته في العام 2013 في بيته بالشيخ سعيد على يد بعض مقاتلي الجيش الحر في العام 2013، انتقلت قيادة الأسرة إلى أخيه أكرم عضو مجلس الشعب الذي يجسد الوجه الفاسد واللئيم لآل عزوز، حسبما يقول المقربون من الأسرة، التي أخرجت جيلها الثالث الذي بدأ يتلمس طريقه في الاتجاه الموروث ذاته: الوظائف الحكومية أو مهنة المحاماة إلى جانب الانتساب النشط لحزب البعث وتنظيماته.