لماذا تقبل الشعوب بالعبودية؟!

لماذا تسلّم الشعوب أمرها لحكامها؟ ولماذا يستبد هؤلاء بشعوبهم؟ عمل الكثير من المفكرين والفلاسفة والمثقفين السياسيين على الإجابة عن هذين السؤالين، في محاولة لتفكيك آليات التحكم والاستبداد التي تمارسها الأنظمة على شعوبها. ولكن الأحرى أن يتداخل السؤالان في سؤال واحد: هل يمكن للسلطة أن تستبد دون وجود شعب خانع؟

يقول «جان جاك روسو» في كتابه «العقد الاجتماعي»: «سيظل هناك فرق كبير بين إخضاع جماعة وإدارة مجتمع. وإذا ما استُعبد أفراد من الناس متفرقين الواحد بعد الآخر، بالغاً عددهم ما بلغ، من رجل واحد، رأيتُ هناك سيداً وعبيداً ولم أرَ شعباً ورئيساً: هذا يصح أن نسميه حشداً من الناس لا تجمعاً متحداً، إذ ليست هناك مصلحة عامة ولا هيئة سياسية. وهذا الرجل يظل فرداً من أفراد الناس ولو استعبد نصف العالم. ومصلحته، بانفصالها عن مصلحة الآخرين، ليست إلا مصلحة خاصة».

ولإخفاء هذه الحقيقة تستخدم السلطة المستبدة جيشاً من الإعلاميين والمثقفين ورجال الدين والفنانين الذين يعملون على بث الأيديولوجية الخاصة بهذه الأنظمة، بحيث لا يستطيع المواطن أن يفكر ويعمل إلا ضمن هذا الحقل الخاضع للسيطرة التامة من قبل هذه السلطة المطلقة. وعمل هؤلاء المثقفين هو تبرير وجود وممارسات وسياسات هذه السلطات المتخلفة، وقد ربطوا مصيرهم ووجودهم بمصيرها ووجودها، وبدورهم يحصلون على امتيازات مادية ومعنوية مقابل هذه الوظيفة التبريرية. وإذا نظرنا مرة أخرى إلى كلام «روسو» نرى أن الاستبداد يرتبط مباشرة بتحقيق «مصلحة خاصة» تشكّل، في العمق، جوهر الأنظمة المستبدة. التي صارت لها سمة أخرى هي من سمات التطور العلمي والاقتصادي الهائل وهي التبعية للغرب الرأسمالي الذي تخضع له بالكامل: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبدوره يمنحها الغرب حمايته بما يضمن بقاءها واستمراريتها من أي هزات داخلية أو خارجية.

طيلة وجودها تعمل الأنظمة المستبدة على منع أي فكرة أو تجمع أو حزب سياسي يحمل مجرد أفكار معارضة، وتتجسس باستمرار على شعوبها، ومن أجل ذلك تنشئ أجهزة أمنية مهمتها مطاردة وتغييب هذه الجماعات والقضاء عليها، ولأجل ذلك أيضاً تبني السجون جنباً إلى جنب مع المنشآت، حتى وصل الأمر بأحد الشعراء أن قال في كثرة المعتقلات: «إني لأعجب من مدينة تبني سجونها على ضفة نهر وهي بحاجة للماء!!».

ولكن إذا كان الاستبداد يفترض الدفاع العاري عن مصالحه، وكانت السلطة تجنح نحو الهمجية والتخلف؛ لماذا تقبل الشعوب بأداء دور «العبيد»؟

غالباً ما يتميز خضوع الشعوب للسلطة المستبدة بسمة رئيسية هي ضعف ثقافة الشعوب، كما أن استبداد السلطة له سمة موحّدة هي تخلفها وهمجيتها. ولكن بالإضافة إلى ضعف الوعي الثقافي أو غيابه، يلبي الخضوع احتياجات مطلوبة لدى هذه الشعوب. فالعبودية تؤمّن «أماناً» و«راحة نفسية» و«تبريراً» لواقع يبقى خارج «التساؤل» و«العمل» لتغييره.

إن التفكير والتضحية والنضال وتحمل المسؤولية والنهوض بالأمة كلماتٌ تليق بالعقل المتنور القادر على خلق واقع جديد ينسجم مع مصلحة الأكثرية، واقع تسود فيه مفاهيم الحرية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية محل كلمات سوداء متخلفة وتبريرية وأنانية مثل «الرئيس السوبرمان» والدفاع عن الوطن ضد العالم.. إلخ، بينما تعمل الأنظمة على التفريط بالأوطان والعباد والثروات والمستقبل.

ألم يقل الكواكبي: إن الفساد ملازم للاستبداد!

ولكن شرط التحرر من العبودية هو «وعي الذات» كما يقول هيغل. ولكي ننهض ونتقدم ونقضي على الاستبداد ينبغي أن نكون أحراراً من «داخلنا»، بمعنى يجب أن نتخلص من عبوديتنا وفسادنا كي نستطيع الخلاص من هذه الأنظمة المتخلفة والمستبدة.