الإندومي الطبق الذي وحّد بين الجيل المائع والخشن

إندومي "وجبة البلد" - من الإنترنت

بخلاف كونها وجبة رخيصة وفردية تعبر عن روح العصر، وتتقاطع مع أكلة موروثة هي الشعيرية؛ عبرت وجبة "الإندومي" عن أجيال جديدة من السوريين الذين لا يشبهون جيل الآباء "الخشن". كان ذلك في السنوات التي سبقت اندلاع الثورة السورية، أما اليوم فغدت وجبة رئيسية للفقراء بغض النظر عن حالة التضاد والسخرية القديمة بين الأجيال السابقة واللاحقة.

كانت وجبة الإندومي وهي منتج إندونيسي/سوري مشترك- عامل جذب للأعمار الصغيرة بشكل شبه حصري في بدايات القرن الحالي، بينما فشلت في الولوج إلى معظم الأسر كطبق رئيسي على طاولة الطعام على الرغم من كثافة الدعاية حينها لهذا المنتج، والتي استندت على ركيزة كونه "حلاً سريعاً للمسؤولين ورجال الأعمال المشغولين دائماً". فغلي الماء ووضعه فوق الشعيرية مع التوابل لا يستغرق أكثر من 3 دقائق يمكن اقتناصها من فترات الاستراحة بين الاجتماعات المكثفة.

ووسط هذه الصورة الدعائية الفاشلة في جذب الجيل القديم عبرت الإندومي عن أجيال جديدة أقرب إلى الليونة. صار الضباط مثلاً يطلقون على العساكر الجدد الأغرار "دورات الإندومي" في إشارة الى "المياعة"، والآباء غالباً ما كانوا يمتنعون عن تناول هذه الوجبة مع أبنائهم، فالجيل الذي تربى على السمن العربي وجبن الغنم وجدها فرصة سانحة للسخرية من الجيل الجديد أيضاً.

ومع تنامي الفقر الشديد بعد أكثر من عقد على الحرب السورية، تحولت الإندومي إلى طبق رئيسي فعلاً. الشعيرية سريعة التحضير والمفتقرة إلى ما اعتادوه من الدسم والأكل الذي "يصلب العود"، باتت في متناول رجال الجيل القديم بعد أن يقوموا بتكسيرها وتحويلها إلى حساء يشربونه إلى جانب أرغفة الخبز الساخنة، فمع تأثرها بالارتفاع الذي يطال الأسعار لا تزال الإندومي تحافظ على سعر مقبول يجعلها في متناول الجميع (يبلغ سعر الوجبة الصغيرة 1000 ليرة في مناطق النظام، 4 ليرات تركية في مناطق المعارضة).

خلال هذا العقد الطويل والمرير تغيرت أمور كثيرة في حياة السوريين، ومن بينها نظرة الازدراء إلى الإندومي. لم تعد وجبة الجيل "المايع"، ولا طبقاً ثانوياً يؤكل في السهرة، بل وبات شراؤها وتخزينها جزءاً من مهام رب العائلة إلى جانب البطاطا والبيض والرز والسمن والزيوت. بعض السكان يخزنونها ضمن كراتينها المختومة التي تحوي الواحدة منها 48 وجبة، أما باعة المواد الغذائية يضعونها دائماً على قائمة العروض الخاصة، ويروجون لها بأسعار مخفضة. ذلك التحول بقدر ما يوحي بحالة الفقر الهائلة التي تعرض لها السوريون، بقدر ما يؤكد حالة الفشل من جهة النظام السوري (يمكن تعميم المشهد على جميع سلطات الأمر الواقع) في تأمين أقوات السوريين. وهذا ما يفسر التفاعل الحكومي السريع والمباشر مع إعلان أيمن برنجكجي الشريك السوري في مصنع إندومي عن توقف إنتاج الوجبة مع وعود بتسهيلات تخص توفير المواد الأولية الداخلة ضمن تصنيع هذه الوجبة.

والحديث عن نظرة السوريين إلى الإندومي يقود إلى الحديث عن مظاهرها ووسائل السوريين في تناولها. فمنذ دخولها السوق السورية في العام 2006   على يد رجل الأعمال السوري أيمن برنجكجي، يحتار السوريون في تناول وجبة الإندومي: فهل يتم تناولها كاملة أم بتكسيرها وتفتيت قالبها؟ هل تؤكل بالشوكة، أم بالملعقة؟ مغمورة بالماء أم بعد تصفية الماء منها؟ ونقطة الخلاف ناجمة عن طريقة أكل سكان شرق آسيا (الصين، اليابان، كوريا) المختلفة تماماً عن البلدان الواقعة جنوبيها ووسطها وغربيها. فهم يتناولون معظم طعامهم ومنها النودلز الأب الشرعي للإندومي بالعيدان، لذلك يختلف أكل الأندومي من شخص إلى آخر، حتى أن البعض (خاصة الأطفال) يتناولونها دون إضافة الماء الساخن، تماماً مثل كيس الشيبسي.

كما يوفر تعلق الفئات العمرية الشابة بهذه الوجبة قيمة مادية مضافة لمتاجر القهوة "الإسبريسو" المنتشرة في سوريا بشكل مكثف جدا"، فباستعمال ماكينة القهوة نفسها يمكن تحضير وجبة الإندومي الموضوعة ضمن كأس كرتوني وتباع إلى جانب القهوة والشاي وباقي المشروبات.

وفي مناطق المعارضة التي تشهد نوعاً من الانفتاح على السوق التركية والأسواق الأخرى، لم تفلح وجبة النودلز في منافسة الإندومي نتيجة لرخص أثمان الأخيرة، على الرغم من سمعة الشعيرية الكورية وتعدد نكهاتها، لكنها مرتفعة الثمن بشكل كبير جداً، إذ يبلغ سعر الوجبة الصغيرة من النودلز قرابة 5 أضعاف سعر نظيرتها من الإندومي، ما يجعلها وجبة لميسوري الحال الراغبين في تذوق نكهات الشعيرية بنسختها الكورية الشهيرة