عيد الميلاد في سوريا الصلاة من أجل السلام في أرضٍ مزّقتها الحرب

المطران أنطوان أودو (رئيس طائفة الكلدان في سورية)/ الدايلي تلغراف
ترجمة مأمون حلبي

سأفعل ما بوسعي لأنشر الأمل في حلب في عيد الميلاد هذا، لكن من الصعب أن نحتفل عندما تكون مدينتنا مدمّرة. قبل أربع سنواتٍ كانت حلب مكاناً مزدهراً، إلا أن الجميع عانى من الحرب الفظيعة الدائرة. الأغنياء رحلوا، والطبقات الوسطى أصبحت فقيرة، والفقراء أصبحوا بؤساء. أربعةٌ من كلّ خمسة أشخاصٍ لا عمل لديهم. عندما أجوب الشوارع أشعر بالفقر يهاجمني، وأرى منظر المرضى والمتعبين اليائسين الذين فقدوا الأمل بالمستقبل. حالياً، حلب مقسومةٌ إلى قسمين؛ في كثيرٍ من المناطق يمكن للمرء أن يقنع نفسه أن الحياة مستمرّةٌ كالمعتاد -أناسٌ يذهبون إلى الكنائس والمساجد، وأطفالٌ يداومون على المدارس، وطلابٌ يرتادون الجامعة- لكنك لا تعرف أبداً أين سيسقط الصاروخ التالي. مناطق أخرى، كالمدينة القديمة والأسواق والمسجد الأمويّ الجميل، دّمرها القتال.

الطقس شديد البرودة هذا الشتاء، مع انعدام التدفئة والكهرباء في المدينة. كلّ مساءٍ تحلّ الظلمة باكراً. هنا، في الأسقفية، نشعل المدفأة مستعملين الكراسي كوقود، مخصّصين كرسياً واحداً كلّ يوم. عندما آوي إلى فراشي، غالباً ما يكون الطقس بارداً إلى درجة أني أقاوم لأستطيع النوم. لكن، حتى عندما أستلقي مضطجعاً وأنا أرتجف تحت أغطيتي، أتذكّر كم أنا محظوظٌ مقارنةً بأخوتي وأخواتي الذين ليس لديهم مكانٌ آمنٌ يستريحون فيه، وكثيرٌ منهم في حاجةٍ ماسّةٍ إلى الطعام والرعاية الصحية. إنه أمرٌ مفهومٌ أن كثيراً من أولئك الذين يستطيعون تحمّل أعباء الرحيل قد رحلوا. حوالي نصف المسيحيين الذين كانوا يعيشون هنا فرّوا، معظمهم إلى البلدان المجاورة وأوروبا وأمريكا. في حلب 45 كنيسةً، لكن الكثير منها فارغةٌ الآن. في العراق المجاور لم يتبقّ مسيحيّون في الموصل، وهي مدينةٌ ازدهرت فيها الثقافة المسيحية لألفي عام. إلى متى سيصمد إيماننا في سورية؟ منذ أمدٍ قريبٍ قال لي رجل دينٍ مسلمٌ إنه لا يستطيع أن يتخيل البلد دون مسيحيين، وقال أيضاً إنهم اللاحم الذي يحافظ على وحدة سورية. أما نحن فلسنا مع طرفٍ ضد آخر في هذه الحرب. فقط نريد لها أن تنتهي.
عــــشية عيد المـــــيلاد لن نحتفل بالقدّاس عند منتصف الليل، كما اعتدنا أن نفعل من قبل. فمن الخطر الشديد أن يكون الناس في الشوارع ليلاً. عوضاً عن ذلك، سنتجمّع في الخامسة مساءً، وهذا وقتٌ مبكرٌ بما يكفي للجميع للذهاب إلى بيوتهم بسلام. اعتدنا دائماً في عيد الميلاد أن نتناول عشاءً فاخراً في الكاتدرائية، وأن نرقص في المساء. لكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك الآن. فالناس لا يستطيعون أن يتحمّلوا كلفة الطعام، ومن الصعب أن نعبّر عن الفرح وسط هذه المعاناة الشديدة. غير أننا، في الكنائس المنتشرة في حلب، لا نزال نعمل بجدٍّ للاستعداد لعيد الميلاد. لقد نظّمنا جوقات المنشدين ومشاهد ولادة المسيح وأشجار الميلاد. وبالرغم من الخوف والعنف نعتقد أن السلام ممكنٌ. ونحن نصلي وننتظر. الجميع متعبون، لكنهم يعملون ما بوسعهم ليعيشوا. وهم يبحثون عن النور القادم من السماء، لا من الأرض. ومهما كانت المصاعب التي نواجهها، حلب هي موطني، وفيها ولدت وترعرت. يخاف الناس أحياناً على سلامتي، ويقولون لي إنه ليس آمناً أن أجوب الشوارع وأنا أرتدي ملابسي الكهنوتية، غير أني لست خائفاً.
ما الذي يعطيني الأمل في عيد الميلاد هذا؟ عطف الناس الذين يرعون بعضهم، والعلامات الصغيرة للإنسانية، عندما يتشارك الناس الشيء القليل الذي يملكونه، وتضامن أخوتي وأخواتي في شتى أنحاء العالم. أبرز ما يمنحني الأمل هو إيماني. أصلي في الصباح وأقرأ كلام الله، وهذا ما يعطيني القناعة أننا نستطيع أن نستمرّ. علينا أن نواصل مساندة بعضنا. علينا أن نحترم واحدنا الآخر وأن نعامل بعضنا بكرامةٍ وأن نتفهم معاناة بعضنا، وعلينا أن نبدأ بأن نرى أنفسنا لا بصفتنا أورثوذكساً أو كاثوليكاً، سنةً أو شيعةً أو علويين، وإنما بصفتنا سوريين يستطيعون أن يعيشوا معاً بسلام.
رسالتي لأصدقائي في بريطانيا هي: سوريا بلدٌ جميل. رجاءً ساعدوا في نشر رسالة السلام. من الصعب وجود الأمل في حلب في عيد الميلاد هذا، لكن ما زال هناك شيءٌ من الفرح في قلبي.