عودة المهور في إدلب إلى الارتفاع وربطها بالدولار

بعدسة الكاتبة - إدلب

تحرص العائلة السورية على التمسك بالتقاليد والأعراف عند إعطاء موافقتها على إنشاء خلية عائلة جديدة، وتغطي هذه التقاليد جميع "إجراءت" الزواج، بدءاً بتعارف الزوجين المستقبليين رسمياً، وانتهاءً بالاتفاق على الأكلاف المادية التي يتحملها الزوج لوحده (غالباً) تجاه أهل الزوجة. ودفع العقد السابق العائلة السورية في إدلب إلى التساهل مع الكثير من هذه التقاليد، ومنها ما يخص المهور، لكن تركة العقد الثقيلة التي انعكست على العائلة مطلقاتٍ تحت سن العشرين، وظهور فئات غنية نسبياً وسط استقرار مؤقت، أعاد المهور إلى التحليق.

وبات الزواج بطقوسه ومراسيمه المعتادة حلماً يراود السواد الأعظم من الشباب الذين عزفوا عنه مرغمين، وبات حكراً على الأغنياء منهم مع انهيار قيمة الليرة السورية واستبدالها بالتركي في إدلب وشمال غرب سوريا، إذ صارت تحدد المهور بالدولار الأمريكي، وهو ما يعجز عنه الكثيرون، بالتزامن مع ازدياد معدلات البطالة وانخفاض الأجور وشح فرص العمل.

فشلت محاولات الشاب صهيب البكور (٢٨عاماً) عدة مرات في الدخول الى الأراضي التركية بشكل غير شرعي عن طريق مهربين عله يحظى بفرصة عمل هناك تنشله من فقره المدقع ولكن دون جدوى، وعن رغبته بالعمل في تركيا يقول بلهجة يائسة" إن بقيت هنا في مخيمات شمال إدلب ستبقى حياتي متوقفة دون أي تطورات، وسأبقى مكانك راوح مع كل هذا البؤس، ولن أستطيع الزواج مدى الحياة وسط هذه الظروف المزرية التي أعيشها هنا".

يعمل صهيب طوال اليوم في فرن خبز قريب من مكان إقامته في مخيم أطمة بأجرة مياومة لا تتجاوز ٢٥ ليرة تركية، وهي بالكاد تكفيه في مساعدة والديه وإخوته في جلب بعض الطعام لهم، وبينما ينفض الطحين عن ملابسه إبان عودته من عمله والتعب واضحاً على ملامحه، يقول أن عدم قدرته على الوصول إلى تركيا قضت على أحلامه بالزواج الذي غدا مكلفاً جداً هذه الأيام.

في بداية سنوات الحرب السورية دفعت ظروف النزوح والفقر والتشرد وتراجع القطاع التعليمي، بالأهالي للتساهل بتزويج بناتهم خوفاً عليهن من تردي الأوضاع الأمنية، بما فيها من خطف وانحراف وجرائم، وكان الزواج المبكر الحل الوحيد بالنسبة إلى الأهالي ظناً منهم أنهم يحافظون على بناتهم بالزواج، كما رصدت العديد من المواد الصحفية وقتها.

غير أن فشل هذا الزواج في كثير من الأحيان وزيادة حالات الطلاق بين الفتيات تحت سن العشرين عاماً، دفع الأهالي إلى إعادة النظر بأمر التسرع في تزويج بناتهم، وخاصة مع عودة المجالات الدراسية وافتتاح المعاهد والجامعات والمدارس الخاصة، وبات بالإمكان للفتيات متابعة دراستهن وتأمين مستقبلهن.

حنان الكبش الأربعينية ترفض رفضاً قاطعاً تزويج ابنتها نور البالغة (١٧ عاماً) إلا بمهر لا يقل عن خمسة آلاف دولار، وتقول "الزواج السهل لا شك أنه سيفضي لطلاق أسهل، والعكس صحيح" في إشارة منها إلى أنه كلما زاد مهر الفتاة كلما ضمن ذلك مستقبلها الزوجي وردع الزوج عن الاستهتار بعلاقته بها وتطليقها عند أول مشكلة.

من جهتها ترى سمية الحلبي (٤٥ عاماً) وهي نازحة من مدينة معرة النعمان ومقيمة في مخيمات أطمة الحدودية أنه يجب مراعاة ظروف الشباب التي يسودها الفقر وقلة فرص العمل وانخفاض الأجور إلى الحد الأدنى، وتقول مستشهدة بمثل شعبي "إلي ما بدو يجوز بنتو يغلي نقدها"، وتتساءل "من أين لهؤلاء الشباب ضمن الظروف المعيشية التي يعيشونها، تأمين آلاف الدولارات كمهور، عدا عن تأمين تكاليف الخطبة والزواج من ملابس وذهب وحفلات خطوبة وغيرها!" مشيرة إلى أن المهر عبارة عن تقليد إسلامي يوحي برغبة الزوج بزوجته، وقيمته معنوية أكثر مما هي مادية، ويختلف المهر وفق إمكانيات الزوج المادية، كما تعتقد، وهي تميل لتيسير أمور الزواج من قبل أهل العروس، مما سيفضي إلى الاستقرار النفسي والعاطفي لكلا الطرفين، ويمنع حدوث العلاقات غير الشرعية التي استشرت في المجتمع مؤخراً بشكل لافت، مما يستدعي "دق ناقوس الخطر لإيجاد الحلول المناسبة لإيقافها".

وإن كان الأهالي يخشون على مستقبل بناتهم في حال فشل زواجهن أو في حال الطلاق، تعطي الحلبي حلاً مناسباً لهذا الأمر من خلال خفض قيمة المعجل ورفع قيمة المؤجل، وبذلك يضمنون حقوق بناتهم من جهة، ولا يقفون في وجه زواجهن ممن يرغبن بالزواج به من جهة أخرى.

الشيخ أيمن حاج علي خريج كلية الشريعة جامعة حلب، يقول "إن غلاء المهور يحمل في ثناياه الكثير من المفاسد والمضار التي تفضي إلى انتشار العنوسة بين الجنسين، أو إثقال كاهل المتزوجين بديون يرزحون تحت وطأتها لسنوات عديدة". ويستطرد أنه "في حال عدم توافق الزوج مع زوجته مستقبلاً لا يستطيع إمساكها بمعروف ولا تسريحها بإحسان خشية خسارته مزيداً من الأموال، فتبقى الزوجة لا معلقة ولا مطلقة"، ويوضح أن الشرع الإسلامي لم يحدد قدراً معلوماً للمهر، وقد ثبت بالحديث الشريف ولو بخاتم من حديد أو بدل منفعة سواء كان قليلا ًأو كثيراً أو قنطاراً".

ويؤثر المهر المرتفع مؤخراً على الأسر ذات الدخل المحدود التي تحاول تحمل أعباء تفوق قدرتها، وهو ما يدفع الشباب في كثير من الأحيان إلى العزوف عن الزواج، أو أنه يرفع سن الزواج لكلا الجنسين.