شراكة غاز جديدة بين داعش والنظام وصديق الأسد يدفع الملايين لداعش كل شهر في مشروع غاز "توينان"

صور أرشيفية من الحقل

تكسب داعش من اتفاقها مع النظام في مشروع "توينان" الغازيّ 3.6 مليون دولارٍ أمريكيٍّ شهرياً كعائداتٍ من "البنزين الأحمر"، و15 مليون ليرةٍ سوريةٍ كأتعاب حماية، و60 ميغا واط سا كهرباء من محطة توليد حلب بعد تشغيلها قريباً.

جورج حسواني

جورج حسواني

قبل أسبوعٍ، بدأ مشروع غاز شمال المنطقة الوسطى، المعروف بتوينان، الإنتاج وفق ما أتاحته نسب الأعمال المنفذة، بعد اضطراب عملية الإنشاء والتأسيس خلال المدّة الواقعة بين خروج الحقل عن سيطرة النظام في مطلع 2013 ووقوعه تحت سيطرة داعش مطلع العام الحاليّ. لتستأنف العملية بعد ذلك بإرادةٍ وتفاهمٍ بين تنظيم داعش ونظام الأسد، ويقلع معمل غاز توينان أخيراً كحـــــصيلةٍ لهذه الشراكة غير المعلــــنة بين الجانبين. وفي ظلّ رغبتهـــــما في الإسراع بمباشرة الإنتـــــاج، رغم عدم اكتمال بعض التجهيزات الفنية في محطة معالجة الغاز الرئيسية والمحطات الثانوية في بعض الحقول. مما أدى إلى انخفاض كميات الغاز المستخرجة في الوقت الحالي عن معدل 3 مليون متر مكعب المخطط له وفق الدراسة الفنية والاستثمارية، لكن دون أن تنقص عن نصف هذا المعدل، وفق أقلّ التقديرات.
وبحسب معلوماتٍ دقيقةٍ ومؤكّدةٍ حصلت عليها "عين المدينة" من مصادر موثوقة، يأتي تشغيل معمل الغاز في إطار اتفاقيةٍ عقدتها الشركة السورية للغاز، ممثلةً بمدير عمليات المشروع المهندس طه العلي –إذ يقيم مدير المشروع، المهندس أمين داغري، في حمص حرصاً على سلامته- وتنظيم داعش ممثلاً بأبي بكر الأردنيّ أمير الحقل –طالب هندسة بترول سابق-. وبدأت عمليات ضخّ الغاز إلى محطة حلب لتوليد الطاقة الكهربائية، عبر أنبوب النقل الذي أنشئ في وقتٍ سابقٍ كجزءٍ من أعمال المشروع. ويقضي الاتفاق أن تضمن داعش استمرار العمل في المراحل المتبقية من المشروع، وتسهّل عملية التشغيل في مرحلتها الأولى والمراحل اللاحقة، من ناحية استخراج الغاز ومعالجته في المعمل قبل ضخّه في خط النقل، وتضمن سلامة الموظفين والعمال وحرّيّة تنقلهم، مقابل أن تحصل على ألفي برميلٍ يومياً من المتــــكاثفات الغازية (الكوندينسات) المعروفة بالبنزين الأحمر، وتستجرّ الطاقة الكهربائية باستطاعة 60 ميغا واط سا من محطة حلب، إضافةً إلى استمرار تلقيها مبلغ 15 مليون ليرةٍ سوريةٍ كلّ شهرٍ من شركة هيسكو المنفذة للمشروع لقاء حماية معدّات وتجهيزات هذه الشركة التي تعدّ الذراع التنفيذية لشركة Stroy Trans Gasالروسية، وهي الشـــــركة المنفذة الرئيسية بموجب العقد الموقع مع وزارة النفط السورية عام 2007.

وصف المشروع:
يقع مشروع غاز شمال المنطقة الوسطى في بادية الشام، على بعد 80 كم جنوب مدينة الطبقة. وبوشر العمل بتنفيذه في بداية العام 2008. ويتألف من أربع محطاتٍ تقوم بمعالجة الغاز وتحسين مواصفاته، وتفصل الغاز المنزليّ عن الغاز النظيف الذي يستخدم كوقود تشغيلٍ لمحطات توليد الطاقة الكهربائية. ويُتوقع، بحسب الدراسة الفنية، أن تتجاوز كمية الغاز النظيف المنتجة يومياً 3.2 مليون مترٍ مكعب، فيما تبلغ كمية الغاز المنزليّ 60 طناً يومياً. وتتبع للمشروع تسعة حقولٍ يبدأ استثمار خمسةٍ منها في كلّ من (الحريث، شرق الأكرم، التوينان، غرب التوينان، الغور) في المرحلة الأولى من المشروع.
وتجاوز عدد الموظفين في موقع المشروع 450 موظفاً، خمسين منهم يمثلون الشركة السورية للغاز، فيما يتبع الأربعمئة الباقون لشركة هيسكو. ومع انطلاق عملية التشغيل والإنتاج سيزداد عدد موظفي السورية للغاز.

وتكشف هذه الاتفاقية عن تبادلٍ نموذجيٍّ للمنافع بين نظام الأسد وتنظيم داعش، إذ يحصل النظام على الجزء الأكبر من انتاج الطاقة الكهربائية في محطة التوليد –يمكن للمحطة أن تنتج 1730 ميغا واط سا في ظروف العمل الطبيعية- بينما يحصل التنظيم على 2000 برميلٍ من الكوندينسات، يزيد سعر الواحد منها في الأسواق المحلية على 60 دولاراً أمريكياً، أي أن داعش تحصل على 120 ألف دولارٍ كلّ يومٍ من المشروع، بالإضافة إلى ما تدفعه هيسكو كأتعاب حمايةٍ شهريةٍ لداعش منذ سيطرتها على المنطقة قبل 11 شهراً تقريباً. ولا يمكن أن تقدم شركةٌ مقرّبةٌ من نظام الأسد مثل هيسكو على دفع أيّ مبالغ لداعش إلا بتوجيهاتٍ مباشرةٍ من الشخصيات المسؤولة عن ملف النفط والغاز في عائلة الأسد، فقرارٌ مثل هذا لا تجرؤ وزارة النفط، أو حتى رئاسة مجلس الوزراء، على اتخاذه.

دفعت هيـسكو لأبي بكــر الأردنيّ "أمير الحـقل" الجــزية المفروضة على 20 موظفاً مسيحياً، بقيمة 21 غرام ذهبٍ عن كلٍّ منهم، في العام الماضي، مقابل السماح لهم بمواصـــلة عملهم. إلى أن تعرّض المهندس جورج كنوزي، مدير الموقع السابق، لتهديدٍ من أحد عناصر داعش، فتوقف الموظفون المسيحيون عن الدوام في الحقل، ونقلوا إلى مواقع عملٍ أخرى في مناطق النظام.

من هي هيسكو؟

تعود ملكية هيسكو لرجل الأعمال المتحدّر من مدينة يبرود، جورج حسواني، الذي برز اسمه في مرّاتٍ عدّةٍ أبرزها كوسيطٍ في صفقة إطلاق الراهبات في شهر آذار الماضي. ويرتبط حسواني بصداقةٍ وطيدةٍ مع بشار الأسد وآخرين من عائلته، مما أتاح له قدراً كبيراً من النفوذ استعمله للفوز بعقودٍ كبيرةٍ في مشاريع النفط والغاز، مثل مشــروع غاز شمال المنطقة الوسـطى، ومشــروع إنـــشاء خط الغــاز الـــعربيّ، وغـــيرها.
توينان

ويتمتع حسواني أيضاً بصلاتٍ وثيقةٍ مع الأوساط الاقتصادية والسياسية العليا في روسيا، جعلت منه بحقّ رجل روسيا النفطيّ المفضّل في سوريا، كما يردد بعض المقرّبين منه. ودخلت هيسكو في شراكات عملٍ لافتةٍ مع Stroy Trans Gas الروســـية في كـــلٍّ من العراق والجزائر والإمارات والسودان. ويتباهى حسواني بدوره الكبيــــر في إقناع الشركة الروسية بمواصلة مشاريعها بعد صدور قرار العقوبات الغربيّ بحق الشركات الأجنبية العاملة في سوريا. وحتى اليوم يعمل أكثر من خمسين موظفاً روسياً في مكاتب الشركة في دمشق.
ولا تجيب المعلومات المتوافرة عن السيرة الذاتية لحسواني عن سرّ ثروته. فكلّ ما هو معروفٌ عنه أنه حاز على شهادة الدكتوراه من الاتحاد السوفياتيّ السابق، من منحةٍ لوزارة التعليم العالي السورية، التي عمل لصالحها أستاذاً في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، قبل أن يعيّن مديراً لمصفاة بانياس لمدّةٍ وجيزةٍ، ليغادر المنصب ويؤسّس هيسكو. ثم ليصعد، مع ترؤس بشار الأسد للبلاد عام 2000، كواحدٍ من نجوم النفط والغاز في سوريا.
وبفضل صداقته للأسد، تمكن حسواني من الحصول على مبلغ 120 مليون يورو من وزارة النفط، كتعويضاتٍ عن التجهيزات والآليات والمعدّات التي تعرّضت للنهب والتخريب، دفعتها الوزارة بموجب بند التأمينات في العقد الموقع بين الطرفين، بعد خروج موقع المشروع عن سيطرة النظام مطلع 2013.

تحدث، في بعض المــرّات، عمليات تفتيشٍ يقوم بها عناصر داعش في مساكن الموظفين. ويعاقب صاحب الغرفة التي يعثر فيها على آثار تدخينٍ بـ(75) جلدةً، وإن تكرّر الفعل يطرد الموظف نهائياً من الحقل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أداء صلاة الجماعة. إلا أن التنظـيم قلّص من تدخله في الشؤون الشخصية للموظفين، وخاصّةً بعد تشغيل المعمل.