حملات التبرع للثوار.. دافع كبير لهم وعودة ثقة الحاضنة الشعبية بهم

جدارية في تونس

كان لمسألة الدعم بكافة أشكاله الأثر الأكبر على سير الأحداث السورية في السنوات الفائتة، بحيث لا يبدأ بشكله السياسي المباشر والبعيد ولا ينتهي بشقه المالي. فإذا كان دور "المال السياسي" سلبياً لاختلاف أجندات الداعمين الخارجين وقنواتهم، فهل يصح ذلك مع المال الذي يجمع اليوم في الشمال السوري تحت بند حملات التبرع؟

"حملات التبرُّع للثوار قضية إيجابية لأنَّها تُرسِّخ التضامن وإعادة الثقة بين الحاضنة الشعبية والثوار، خاصة بعد صمودهم على جبهات ريفي حماة وإدلب منذ بدء الحملة العسكريّة لنظام الأسد وحلفائه قبل نحو شهرين".

هكذا ينظر حسين الدغيم، رئيس المجلس المحلي في جرجناز وعضو في حملة "ارمِ معهم بسهم" هذه الفعالية، موضحاً لمجلة عين المدينة، أن حملات التبرُّع "لا يُقصد منها الجانب المالي فقط، وهو حقيقة شيء لا يُذكر مقارنةً بحجم المعركة، إنما الأهم هو الجانب المعنوي الذي أكد على التلاحم والدعم العام للثوار على الجبهات، وأظهر حجم التضحية عند كل من يبذل المال، سواء امرأة أو طفل أو رجل".

يظهر من المبالغ المجموعة والكبيرة قياساً إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها الشمال السوري، ويظهر كذلك من حديث الفاعلين فيه، إقبال الأهالي على التبرع رغم ما يتعرَّضون له من قصف ونزوح. ويمكن النظر إلى الإيجابية تجاه التبرع لكون المناطق المحررة في الشمال ملجأ أخيراً لملايين السوريين النازحين والمهجرين، وبالتالي تصبح المعارك الأخيرة مسألة وجود بالنسبة إلى الكثير من المدنيين والمقاتلين على حد سواء. "لا بدَّ من وقوف الناس مع أبنائهم المقاتلين" يقول الدغيم، موضحاً أن المرحلة الأولى من الحملة انتهت بجمع أكثر من 180 ألف دولار أمريكي "قُدِّمت بشكل مباشر من (لجان إدارة الحملة) إلى الثوار باليد على الجبهات، دون دخول هذه المبالغ إلى غرف العمليات أو حتى تسليمها للقادة".

تلقى الثوار هذا الدعم بامتنانٍ كبيرٍ وأعينٍ دامعةٍ، كما ينقل الدغيم من معايشته لمراحل الحملة منذ بدايتها حتى النهاية، ويقول "أعادت الحملة الروابط والألفة بين الجانبين، لا سيَّما بعد حالة الفتور التي شهدتها المنطقة -قُبيل الحملة العسكرية- بين الثائر وحاضنته الشعبيَّة".

مرت عملية جمع التبرعات بمرحلتين: الأولى اقتصرت على معارف منظميها والنشطاء في محافظة إدلب عبر التواصل معهم مباشرة، أو عن طريق الحوالات المالية، واستندت العملية على الإيصالات التي تم تسليمها للمتبرِّعين، بينما في المرحلة الثانية من الحملة فشكلت إدارة الحملة لجنة توجهت إلى ريف حلب الشمالي، وهناك التقت بغرف التجارة ومديريات الأوقاف والمجالس المحليَّة، بالإضافة إلى المساجد وفعاليات مدنية أخرى.

حسام سلامة، قيادي في "الجبهة الوطنية للتحرير" قال لعين المدينة: "الكثير من المعطيات تغيرت بعد الأحداث الأخيرة على كل الأصعدة ومنها الاجتماعي، فتعاطي الناس مع الثوار وكسر الحواجز وعودة الثقة بهم كانت واضحة، وتجلى ذلك بحملة "ارمِ معهم بسهم"، إذ كان التفاعل كبيراً". من المواقف التي يحكي سلامة عنها مشهد طفلة تبرعت بحصالتها بعد أن كتبت عليها جملاً وزينتها برسومات داعمة للثوار، وهنا يعيد التركيز على الجانب المعنوي أكثر من الجانب المادي، يقول "سد الاحتياجات بشكل كامل أمر صعب، لأن الحروب أحياناً تعجز عنها دول، وحملات التبرع سدت حاجيات لوجستية لا بأس بها، مثل الدرَّاجات النارية كون التنقل بها أسرع، بالإضافة إلى وجبات الطعام"

من جهته رأى الكاتب السوري محمود دياب أن الرقعة الجغرافية التي شملتها الحملة "كسرت المناطقية، وألغت هوية المقاتلين، وجعلتهم سوريين فقط، وأعادت روح الانصهار الثوري بين جميع أفراد المجتمع السوري الثوري". وذكر دياب لعين المدينة، أنه كان شاهداً على حملة مشابهة في ريف حمص الشمالي، ولكنه يرجح أن أثر حملة إدلب أكبر، لأنها شملت الشعب السوري النازح والمهجّر والمضيف بمكوناته ومناطقه كلها، "فالدمشقي والحلبي والحمصي والحموي والحوراني كلهم هنا يدفعون لغاية واحدة ومصير واحد".

ورأى دياب أن الإقبال على التبرُّع فاق المتوقع، فالناس باتت تبحث عن القائمين على الحملات قبل أن يصلوا لبعض المناطق، وشمل ذلك بعض العوائل التي دون حد الفقر، حيث كان لها مساهمة من خلال أشياء عينية قدمتها للحملة، ومنها -كما يروي الكاتب- امرأة تبرعت بقيمة سلسال ذهب، وأربعة أطفال بمكافآتهم الرمضانية. يقول دياب "أحد الأشخاص تبرع للحملة بـ5000 ل.س معتذراً عن تواضع المبلغ بأنه قدر طاقته".

نظر البعض إلى الحملة بعين الريبة أو الامتعاض، في ظل وجود ريع المعابر الحدودية، ولكن دياب يرى صوابية الحملة خلال التصعيد الأخير، إذ "كان هناك استنزاف كبير في الذخيرة، وهذا الاستنزاف يجب أن يعوّض، والمعابر وحدها لا يمكن الاعتماد عليها، لذلك كانت فكرة الحملات، فكانت الفائدة منها مادية ومعنوية بذات الوقت".

حملات أخرى

أعلن مؤخراً "جيش العزة" عن حملة "ساندوهم" لدعم الثوار على جبهات ريف حماة، كذلك أطلقت "هيئة تحرير الشام" حملة "بدعمكم ننتصر"، وقال أحد ناشطي إدلب لعين المدينة، أن حملة الهيئة "ضخمة جدًا" وشملت كافة مناطق سيطرتها في إدلب وريفي حماة وحلب، وقد بدأت في المساجد في أيام الجمعة فقط، ثم انتقلت لمرحلة ثانية اعتمدت على الجمع في المساجد بشكل شبه يومي، على أن الهيئة اختصت مدن إدلب والدانا وسرمدا، "لأن قسم من سكانها من الأثرياء والتجار الكبار، وكان الإقبال شديداً عليها بداية ثم خفّ لاحقاً"، حسب الناشط.

وعن آلية الجمع أفاد الناشط، بأنها تتم عبر لجنة مؤلفة من ثلاثة أشخاص أحدهم يستلم المبلغ، والثاني يُنادي عبر مكبر الصوت، وآخر مشرف على العمل. مشيراً إلى أن التبرُّع لم يكن محصورًا بالمال، بل شمل ما استطاع الأهالي تقديمه من محروقات وأغذية ومضاغ ذهبية، وأيضاً ذخيرة وقطع سلاح، بالإضافة إلى تبرُّعات مستديمة شملت كفالة علاج جرحى وأسر شهداء.

ونوّه الناشط الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن تحرير الشام منعت القائمين على حملة "ارمِ معهم بسهم" التابعة للجبهة الوطنية للتحرير من العمل في مناطق سيطرتها، "هذا أمر طبيعي كون وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ تتبع لها وتُريد أن يجري التبرع عبرها".

نشرت الهيئة في الطرقات لافتات داعية للتبرع تحمل عبارة "جاهدْ بمالك"، وقد اختلف حجم التبرع للهيئة بين المناطق التي لها فيها حاضنة شعبية والأخرى التي تفتقدها فيها مثل معرة النعمان وتلمنس والغدفة، حيث لم تجمع الهيئة سوى من مسجد واحد في كل منها، بينما لم يستجب أي من مساجد جرجناز للحملة.

وأضاف الناشط، أن مناطق إدلب شهدت حملات تبرّع مصغّرة عشوائية، حيث قام بعض الأشخاص بالدخول إلى المسجد أثناء إقامة صلاة ودعوة المصلين إلى التبرع بأشياء معينة، فيتم التبرع بها أو لتأمينها، سواء بالمال أو المحروقات أو وجبات الطعام أو الأدوية، بينما كان "العمل منظماً في مناطق سيطرة الجيش الوطني لوجود مؤسسات وحكومة مؤقتة" على حد تعبير الناشط.

يشار إلى أن الدعم الشعبي للثوار أخذ أشكالًا أخرى، مثل حملة "التدشيم" التي قام بها الأهالي في ريف إدلب بهدف تحصين مواقع الفصائل في الخطوط الخلفية، والإخبار عن أي تحركات مريبة قد يكون لها صلة بعملاء للنظام أو روسيا في المنطقة

تبرعات تم جمعها في أحد مساجد إدلب - حزيران 2019