حكاية الثورة في منبج

عدسة عبد الله | خاص عين المدينة

اشتهرت منبج بأنها مدينة الشعراء، إذ قطن فيها كلٌ من أبو فراس الحمداني، وأبو الطيب المتنبي، ودوقلة المنبجي، وعمر أبو ريشة، وغيرهم.
تقع المدينة شمال شرق حلب بـ 80 كيلو متراً. ويبلغ عدد سكانها، مع القرى المجاورة لها، حوالي خمسمئة ألف نسمة. ومع اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية التحقت مدينة منبج بالركب، فخرج أبناؤها في أولى مظاهراتهم بتاريخ 21\4\2011. ثم كان الاعتصام الذي حدث في ساحة الشهداء خطوة هامة في مسار الثورة في المدينة، التي بقيت رازحة تحت بطش النظام إلى أن قرر أبناؤها في الجيش الحر تحريرها من العصابات الفاشية بتاريخ 19\7\2012، المصادف قبل يومٍ من شهر رمضان.
وما إن تحررت المدينة حتى بدأ أبناؤها بتشكيل المجلس المحلي الثوري، الذي يعتبر الشكل المصغّر لحكومةٍ محلّيّة. ومرّت على منبج ثلاثة مجالس محلية، وتأسس فيها أكثر من 20 هيئة مدنية، منها خدمية أو فكرية أو سياسية أو إسلامية، بالإضافة إلى الجمعيات الإغاثية، التي فاق عددها 17 جمعية، نظراً لارتفاع أعداد النازحين، الذين بلغ عددهم حالياً 150  ألف نازح من كافة المدن السورية التي تشهد اشتباكات ومعارك. إذ كان لمنبج النصيب الأكبر من المدن السورية في استضافة الأهالي النازحين.
يتحدث (ت. ص)، وهو عضو أمانة سر في المجلس الثوري المحلي، عن المصاعب والمشاكل التي واجهت المجلس، الذي ولد ولادة قيصرية صعبة، على أنقاض المجلسين السابقين. فمعاناة المجلس المحلي تتجسد في الارتفاع الجنوني للدولار، مما سبّب ارتفاع الأسعار بشكل واسع، وأثّر على جيب المواطن البسيط في النهاية. كما يعاني المجلس أيضاً في إدارة المؤسسات الخدمية (المحاكم، الكهرباء، المياه، المطاحن، الأعلاف). والصعوبة الأكبر التي تواجه المجلس حالياً هي تأمين مادة القمح، التي يحاول المجلس جاهداً توفيرها بشتى الوسائل، رغم ضعف الإمكانيات حالياً. أما بالنسبة إلى الدعم المالي فيتم تقديمه من مجلس المحافظة الحرة في حلب، التي تتبع لها إدارياً المجالس المحلية في الريف الحلبي بشكلٍ كامل، ومن ضمنها مجلس مدينة منبج.
يقول أبو شاكر، وهو أحد القادة الميدانيين في الجيش الحر بمنبج: كنا نعاني كثيراً قبل تحرير المدينة بالنسبة إلى موضوع تأمين السلاح والذخيرة. والحمد لله شاركنا في أغلب المعارك في المناطق المجاورة للمدينة، مثل سد تشرين، وجرابلس، وأحياء صلاح الدين وبستان الباشا وبستان القصر والراشدين في حلب، وخان العسل مؤخراً. ولم نتوانَ عن المشاركة في معركة القصير. ولدى سؤالنا لأبو شاكر عن موقفٍ طريفٍ في مسيرته الثورية، أجاب: لدى تأميننا السلاح قبل تحرير المدينة، من ريف حلب الشمالي، كنا نخبّئ السلاح في مكانٍ آمن، ومن ثم اكتشفنا أنه "استرطب" لسوء تخزينه (يضحك). أما مهنتي قبل الثورة فقد كان لديّ محلٌ لبيع النظارات الشمسية.
كما التقينا مع (فراس)، وهو أحد الناشطين الميدانيين في مدينة منبج الحرّة، فحدّثنا عن مشاعره وأمنياته للمستقبل قائلاً: أتمنى من صميم قلبي أن تحظى كل المدن السورية بما حظيت به منبج من توفير المناخ الملائم لممارسة الحريات. وأنتظر بفارغ الصبر تشكيل الحكومة الانتقالية لترتيب أمور المواطنين في الداخل من جديد. أما عن زملائنا الجامعيين فهناك كلامٌ أتمنى أن يتحقق، وهو إحداث جامعاتٍ في المناطق المحرّرة، كي يكمل الطلبة دراستهم.
استهدفت منبج بأكثر من 20 غارة جوية، فاقت حصيلة شهدائها 120 شهيداً. أما حصيلة شهداء المعارك فقد فاقت 150 شهيداً، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الجرحى، إذ تعرّض أغلب المجاهدين لإصابات بليغة، جعلت بعضهم قعيداً
في البيت.