ناظم سعيد أحمد

اشتدت أزمة "حزب الله" نهاية عام 2018، عندما طُبق الحظر الفعلي على تصدير النفط الإيراني؛ لأن تمويل الحزب جاء بشكل أساسي من عائداته الضخمة. لذلك ليس من المستغرب أن يتحدث حسن نصر الله مراراً وتكراراً عن "الجهاد المالي" في خطبه، ويبدأ في جمع الأموال لصندوق دعم مقاومته وقتله وتشريده للشعب السوري.

من المعروف أن "حزب الله" أقام دويلة داخل لبنان بعد قضاء آل الأسد على فصائل المقاومة الفلسطينية؛ دولة لها عاصمتها وجيشها ومخابراتها وقوانينها الخاصة، لكنها تابعة وذيلية لأصحابها ملالي إيران الذي يعملون على تزويدها بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر عبر دمشق، وتمويلها مادياً منذ تأسيسه عبر منحة سنوية، بدأت بـ 100 مليون دولار ووصلت حتى 700 مليون دولار في السنوات الأخيرة. لكن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ومليشياتها العابرة للحدود أدت إلى دخول هذه المنظمة الإرهابية نفق أسوأ أزمة في تاريخها. 

وفقًا للخبراء، تم تخفيض المبلغ الإيراني بمقدار النصف، ما دفع المنظمة الإرهابية التي أنشأت إمبراطورية اقتصادية حقيقية في لبنان على بيع العقارات في موقعها الرئيسي في بيروت الجنوبية. ولأول مرة منذ 37 عاماً على وجودها، قللت بشكل كبير حجم المدفوعات لمقاتليها، وخفضت عدد الذين يخدمون بشكل دائم إلى الثلث، والاحتياطيين إلى النصف. في الوقت نفسه، تم إغلاق العديد من المؤسسات والهيئات التي تقدم المساعدة والإغاثة إلى المقاتلين وعائلاتهم، وإلغاء المزايا الاجتماعية، لاسيما السفر المجاني وتوزيع الأدوية دون مقابل. كما ضربت العقوبات الأمريكية آلة المنظمة البروباغندية، فقد تراجعت رواتب موظفي "قناة المنار" و"إذاعة النور"، وسُرح العشرات من الصحفيين والعاملين الفنيين.

العزلة الاقتصادية الإيرانية والعقوبات المفروضة على طهران ليست السبب الوحيد لأزمة "حزب الله". الدعم المباشر الذي قدمه الحزب لنظام الأسد، منذ عام 2012، كلفه غاليًا. فقد أُنفقت مبالغ ضخمة على مغامرته السورية، والتي تحولت إلى خسائر كبيرة في صفوفه، واليوم لا تستطيع إيران تغطية هذه التكاليف.

لم يكن لدى نصر الله أي أموال للوفاء بوعده حول تقديم الدعم المالي لعائلات أكثر من 2000 إرهابي من عناصره قتلوا في سوريا. هناك تقارير من لبنان تفيد بقطع المدفوعات أو تأخرها عن عائلاتهم، وبذهاب عناصر الحزب إلى لبنان في إجازات غير مدفوعة الأجر. ومع ذلك مازالوا منتشرين على طول وعرض الأراضي السورية المشبعة بالدماء التي سفكتها كراهيتهم، ويعملون على إنشاء منظمات رديفة دون الإعلان عن ذلك؛ ولا تزال الخطب العسكرية الرنانة عن الانتصارات الوهمية تأتي من أقبية "حزب الله"؛ لكن مسألة المواجهة مع إسرائيل قد أزيلت من جدول الأعمال، لأن فصول المسرحية العبثية اختلفت في التوليفة الطائفية للمخرج الإيراني.

أُجبر الحزب الذي أصبح على وشك الإفلاس على الصراع من أجل البقاء؛ وحاول تمويل نفسه بطرق مختلفة؛ فمن تجارة المخدرات والأسلحة، مروراً بتجارة الأحجار الكريمة، وصولًا إلى تجارة الآثار والقطع الفنية.

في الآونة الأخيرة ظهر اسم ناظم سعيد أحمد على السطح كأحد ممولي "حزب الله" الأساسيين، بعدما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في 13 كانون الأول 2019، عقوبات على ثلاثة لبنانيَّين، بسبب قيامه بغسل الأموال عن طريق الفن، ومن ثم إحضارها شخصياً إلى أمين عام الحزب حسن نصر الله.

أحمد ابن عائلة ثرية تدير شركة مزدهرة بتجارة الماس، ويملك عدة شركات في بلجيكا والكونغو الديموقراطية وغيرهما من البلدان، قدمت مساعدات وتبرعات ودعم لوجستي إلى "حزب الله" بشكل دائم. يعتبر قيادياً سابقاً في الحزب، ويرتبط بعلاقات جيدة مع مموليه المعروفين قاسم تاج الدين ومحمد بزي. كذلك ضلع في تجارة المعادن الثمينة وتهريب الماس، حتى عرف هذا النوع من تجارته مجازياً بـ "ماس الدم". يعيش في بيروت، حيث يملك صالة فنية كبيرة، ويقتني مجموعة ضخمة من اللوحات والتمائيل لأشهر الرسامين والنحاتين العالميين - بيكاسو، جان ميشيل باسكيات، آي ويوي، توماس هيثرفيك، مارك كوين... - يقدر ثمنها بملايين الدولارات!

حسب شهود عيان فإن جدران صالته في بيروت مكتظة باللوحات من الأعلى وبالتماثيل من الأسفل. كذلك ذُكر عن وجود علاقات وثيقة له مع بعض الفنانين ومالكي الصالات في سورية المحسوبين على آل الأسد، حيث يقوم بالترويج لأعمالهم في لبنان وبلدان أخرى!

لا يخفي ناظم أحمد شغفه المزور هذا على أحد، إذ يقوم بتحميل صور كنوزه الفنية بشكل دائم على تطبيق الانستغرام، حيث لديه 163 ألف زائر منتظم.. لقد اختار الفن كغطاء لعمله الأساسي باعتباره سمة الناس الراقين البعيدين كل البعد عن الشبهات بقدراتهم على غسل الأموال وتمويل منظمات إرهابية متهمة بقتل وتشريد الأبرياء والمدنيين، لاسيما في دولة مجاورة كسوريا!

منذ فترة ليست بعيدة يدور نقاش في عالم الفن حول مدى قدرة هذا المجال على غسل الأموال، لاسيما وإن لديه نقاط ضعف كثيرة وواضحة تمامًا للعيان: لا يمكن التحكم في معظم المعاملات التجارية الفنية التي يتم إبرامها، ولا يتم الكشف عن هويات البائعين والمشترين، ولا حتى أماكن تواجدهم. تكلفة الأعمال الفنية تقديرية نسبية في طبيعتها، لذلك من السهل تضخيمها حسب الحاجة، مما يسمح بنقل مبالغ مالية كبيرة للغاية. إضافة إلى المضاربات، وانتشار الأعمال المزورة...

لكن بعضهم ينكر بشكل قاطع أن تكون المعاملات المشبوهة ذات طبيعة شائعة في عالم الفن، وأن الأمر مضخم إلى حد ما ولا يرقى أن يصل إلى ظاهرة دائمة.

وزارة الخزانة الأمريكية لا توافق على هذا. وفقًا لمسؤول بارز مهتم بتمويل المنظمات الإرهابية يدعى مارشال بيلينجسلو، فإن اقتناء وبيع الأعمال الفنية يعد "نظاماً معروفاً للتحويلات المالية غير القانونية". وأضاف في هذه الحالة عن ناظم: "لدينا الراعي الاقتصادي لحزب الله، الذي ينقل إليه جزءاً كبيراً من عائداته غير القانونية من خلال التجارة في الماس الدموي؛ والذي يتم غسله من خلال عالم الفن، مما يسمح له بإخفاء معظم صفقاته. هذه طريقة معروفة للالتفاف على النظام الاقتصادي الرسمي".

لذلك فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات شديدة على تاجر الماس أحمد، الذي -وفقاً لها- "قام بغسل الأموال من خلال صالته في بيروت، حيث يملك مجموعة لوحات ضخمة تضم أعمالاً للفنان الشهير بيكاسو". ويعد أحمد أحد "المانحين البارزين لحزب الله"، وهي منظمة معترف بها في الولايات المتحدة على أنها "إرهابية". وذكر بيان صحفي صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية أن أحمد استخدم معرضه في بيروت كشاشة لغسل الأموال، وكنوع من الملاذ الضريبي "في محاولة لتجنب آثار العقوبات الأمريكية".

رفض ناظم سعيد أحمد التعليق على العقوبات المفروضة عليه، رغم أنه في الماضي نفى التقارير المنشورة حول ارتباطه بـ "حزب الله". وهو حالياً موضوع على القائمة السوداء ولا يمكنه الدخول في معاملات تجارية مع أطراف عديدة، إن كان ذلك داخل الولايات المتحدة أو خارجها.

شددت الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة من قبضتها على قنوات تمويل الإرهاب، وأغلقت حسابات بنكية لرجال أعمال مدانين بنقل الأموال إلى "حزب الله"، وتم اعتقال العديد من رعاة المنظمة والممولين المتورطين في غسل الأموال لصالح نصر الله. إن السياسة الأمريكية المتمثلة في الخنق الاقتصادي لإيران ومنظماتها الإرهابية الداعمة لمشاريعها الإقليمية لا تؤتي ثمارها فحسب، بل تتمتع أيضاً بدعم جاد في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط. إضافة إلى أن الإجراءات العقابية الأمريكية قد أوقفت حركة أموال أركان نظام الأسد وحدّتْ من قدراتهم المصرفية الدولية، لاسيما في لبنان الذي اعتبر لفترة طويلة الملاذ الآمن لثرواتهم المسروقة من قوت الشعب السوري.

في النهاية، هل يمكننا أن نأمل بأن تؤدي هذه السياسة إلى استنزاف "حزب الله" نهائياً، والحد من فاشيته ودعمه لعصابة آل الأسد، وإخراجه من الأراضي السورية؟ هل سيساعد قانون قيصر، بعد أن يدخل حيز التنفيذ، بضرب جيب نصر الله ولوي ماسورات أسلحة حزبه العديدة؟... نأمل ذلك