الفلاحون في السويداء يشكون من تسعيرة القمح الرسمية

AFP

يشكو معظم الفلاحين في محافظة السويداء من التسعيرة غير العادلة للقمح التي حددتها حكومة النظام لهذا الموسم، ويرى الكثير منهم أنها عامل أساسي في دفعهم إلى التخلي عن زراعة القمح، خاصة أنهم محاصرون بين شح الدعم الحكومي للزراعة ثم التلاعب به وتحديد قيمة شراء القمح بما يعادل نصف السعر العالمي.

ويؤدي تزاحم المعوقات التي تطال قطاع الزراعة من الجهات الرسمية، ووقوع الفلاح بين فكي كماشة استغلال تجار الحبوب والظروف المعيشيّة الصعبة إلى شبه عزوف للفلاحين عن ممارسة الزراعة بشكل عام، وزراعة القمح بشكل خاص. رغم أن نسبة إنتاج القمح في السويداء ضئيلة ولا تشكل فارقاً مهماً نسبة إلى إنتاج القمح في سوريا وذلك لصغر مساحة الملكيات الزراعية.

وبدأ مؤشّر إنتاج القمح في سوريا ينخفض باطراد في السنوات العشر الأخيرة. ولم تسلم محافظة السويداء من تراجع هذه الزراعة، لا سيما وأن طبوغرافيا المحافظة تقوم على توزّع أراضيها بين السهول والجبال والبادية، وما يرافقها من مناخات متعددة تمتد على خمس مناطق استقرار، وذلك بعد أن كانت من أبرز الزراعات فيها.

وفي المقابل لا يمكن إغفال عامل الجفاف الذي يعتبر عائقاً أساسياً في انخفاض زراعة القمح في المحافظة كونها زراعة بعلية في الأساس، بسبب عدم ملاءمة كمية الهطولات المطرية، إضافة إلى موعد الهطولات مع مراحل زراعة المحصول ونموّه. وتأتي سنوات الجفاف بمعدّل مرة واحدة كل أربع أو خمس سنوات ما يضطّر المزارع إلى بيع حصيده علفاً للماشية، أما الزراعة المروية فما تزال حديثة العهد.

ويشكو معظم الفلاحين في السويداء من التسعيرة غير العادلة للقمح التي أصدرتها حكومة النظام والمحددة ب2500 ليرة سورية "متضمنة تكاليف الإنتاج مع هامش الربح" وفق وكالة سانا التابعة للنظام، التي قالت أن السعر "يضاف إليه 300 ليرة لكل كيلو كحوافز تشجيعية للزراعة وتسليم القمح". علما أن مؤسّسة إكثار البذار كانت قد باعت كيلو القمح للفلاح ب 2800 ليرة.

ويشير من تحدثت إليهم عين المدينة من الفلاحين إلى عدم جدوى زراعة القمح بسبب التفاوت الواضح بين الكلفة والمردود المادي، في ظل ندرة توزيع المحروقات المدعومة والسماد الحكومي.

وكانت أعلنت مديرية الزراعة ومجلس المحافظة في السويداء عن تأمين 552 ألف ليتر من المازوت الخاص بالآليات الزراعية، مؤكدة توزيعها على الفلاحين المسجلين بالجمعيّات الفلاحية لتنفيذ خطّة زراعة القمح والشعير في المحافظة، بينما لم يتجاوز الموزّع منها نسبة 10% بحسب أحد أعضاء الجمعية الفلاحية في ريف السويداء الجنوبي، الذي أكد حصول تلاعب في المخصصات الحكومية، فالغالبية حصلوا على 5 ليتر فقط بغضّ النظر عن مساحة أرضهم المزروعة.

وأشار الفلاح الذي طلب الاكتفاء بتعريفه على أنه من الريف الجنوبي، إلى أن عامل المحسوبيات دخل في توزيع المازوت، وفي تسجيل عدد الدونمات المقرّر زراعتها من قبل بعض الفلاحين اسمياً، والذين يحصلون على حصّتهم من المادة ويبيعونها في السوق السوداء كمازوت حرّ. ومن جهة أخرى اشترطت مديرية الزراعة تقسيم الدعم إلى دفعتين، واحدة قبل الزرع والأخرى بعده، ما يؤكد حالة عدم الثقة بين الفلاح والجهة الحكومية صاحبة الدعم.

ولفت فلاح آخر من المنطقة ذاتها، بأنّه لم يستطع الحصول على مازوت الدعم المخصّص له إلّا بنسبة 20%، ما اضطره إلى شراء احتياجاته من المحروقات من السوق السوداء. ويبلغ سعر ليتر المازوت في السوق السوداء 8 آلاف ليرة، أي ما يعادل 10 أضعاف التسعيرة الحكومية للمازوت المدعوم وتقدمه مديرية زراعة السويداء للفلاحين.

فلاحون استطاعوا الحصول على الدعم الحكومي كاملاً ويملكون جرارات زراعية، قالوا لعين المدينة أن أرباح الموسم الحالي بقيت ضئيلة حتى بالنسبة إليهم بسبب إجحاف التسعيرة الحكومية.

يونس عزام من فلاحي ريف السويداء الغربي، أوضح أن كلفة زراعة الدونم الواحد ارتفعت إلى ما يقارب 45 ألف ليرة سورية، بينما لم تتجاوز الكلفة في السنة الماضية أكثر من 24 ألفاً. ويرتبط ارتفاع التكاليف بهبوط قيمة الليرة السورية والتضخم القياسي الذي يضرب الاقتصاد السوري، لكنها تبقى مرتفعة مقارنة بالرواتب الحكومية التي لم تتغير كثيراً خلال سنة.

وفي المقابل لم يتجاوز هامش الربح لدى فلاحين آخرين لم يحصلوا على الدعم الحكومي أكثر من 30%، مع العلم بأنّ سعر كيلو مبيع القمح في السوق السوداء يتراوح ما بين 3 آلاف وحتى 4 آلاف ليرة وهذا ما يدفع غالبية الفلاحين إلى بيع محصولهم في السوق الموازية "فلن نعمل لتسرقنا الدولة" وفق ما لخص رامي الحمد وهو فلاح من ريف السويداء الشرقي في حديثه لعين المدينة.

وتابع الحمد بأن "الفلاحين من أصحاب الملكيات الكبيرة نسبياً والذين استطاعوا الحصول على الدعم الحكومي كاملاً ويملكون معدات زراعية، وصلت أرباحهم في الموسم الماضي إلى ما يقارب 190%، بينما لا يتجاوز هامش ربح الفلاح العادي 30%، ومنهم أقل من ذلك بكثير لدرجة تغطية التكاليف فقط، وهذا غير سنوات الجفاف التي تضطّر المزارع إلى بيع حصيده علفاً ترعى به الماشية".

يشار إلى أن إنتاج سوريا من القمح في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لا تشكّل أي فارق قياساً إلى احتياجات السكان في تلك المناطق، في ظل اعتماد النظام على القمح الروسي في هذا المجال. في حين يرى سوريون كثر أن شراء القمح ودعم زراعته من جانب النظام صار مجرد عمل بيروقراطي يرتكز على أيديولوجيا كان يدعو لها وصارت الآن من الماضي، خاصة أن المنتج الأساسي لمحصول القمح في مناطق الجزيرة السورية خارج عن سيطرة النظام منذ سنوات طويلة.