الرقة اليوم (2)
تجارة وأسواق وعمل

الرقة - شارع تل ابيض

تضيف المعارك المندلعة على جبهات قريبة من مدينة الرقة معاناة أخرى لسكانها فوق معاناتهم من العيش تحت سلطة داعش. وتضيق سبل الرزق أمام الناس على وقع الهزائم التي يمنى بها التنظيم، لينضم المئات كل يوم إلى شريحة العاطلين عن العمل.

منذ تشرين الثاني الماضي دخل اقتصاد الرقة في طور انهيار جديد، اذ أدت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على قرية تل السمن ( 35كم شمال الرقة) ثم تقدمها نحو المدينة، إلى فقدان كثير من التجار ثقتهم المرحلية بالسوق. قبل أن تبدأ معركة الطبقة آخر آذار، ثم تحاصَر وينقطع الطريق الذي كان سالكاً تحت سيطرة داعش إلى ريف حلب، فتنشأ ظواهر جديدة في أوساط التجار وكبار أصحاب رأس المال في مدينة الرقة، تمثلت في إيقاف طلبيات البضائع أو إلغائها، بل وإفراغ المستودعات ونقلها باتجاه محافظة دير الزور في غالب الحالات، ونقل الأموال والمدخرات الثمينة. لم يبد قادة داعش اعتراضاً يذكر على سلوك التجار هذا، طالما أنهم دفعوا الضرائب الواجبة على البضائع أثناء النقل، والرشى والهدايا لبعض النافذين في صفوف التنظيم. وخلال مدة وجيزة توقفت تقريباً حركة البيع والشراء الا للسلع الضرورية كالغذاء والدواء والمحروقات، وأنهت عائلات تجارية معروفة (مثل البابنسي والعبود والزنا وغيرهم) أعمالها في المدينة، وتمكن بعضهم من الإفلات من المسار الذي حددته داعش لهم باتجاه دير الزور، بدفع مبالغ طائلة –وصلت إلى 20 ألف دولار- لبعض قادة داعش لقاء ورقة رسمية تجيز لهم المرور على الحواجز إلى مناطق سيطرة قسد ثم مناطق سيطرة الجيش الحر في ريف حلب الشمالي. ويقدّر تاجر في الرقة لـ"عين المدينة" نسبة التجار وأرباب العمل الكبار الذين صفوا أعمالهم وغادروا المدينة مع عائلاتهم بأكثر من 50%، فيما ينتظر الباقون الفرصة للمغادرة. وعلى هامش المشهد المتهاوي للأسواق ازدهرت خلال الشهرين الماضيين أعمال طارئة، مثل تجارة الخيم وتصنيعها للنازحين من مدينة مسكنة وما حولها –التي سيطر عليها النظام- الذين نزلوا ليتدبروا أمرهم كيفما اتفق في أطراف القرى والبلدات الآمنة نسبياً، كما نشطت حركة النقل بالمراكب والعبّارات بين ضفتي نهر الفرات جنوب وشرق مدينة الرقة.

كان لانسحاب المال والبضائع وشلل الأسواق، وما رافقه من إحجام معظم السكان عن إنفاق مدخراتهم على غير اللوازم الضرورية جداً؛ أثر مدمر على قطاعات العمل المرتبط بها، إذ صرفت معظم الورشات ومجموعات العمل الكبيرة والصغيرة عمالها، لترتفع نسبة البطالة إلى حد وصلت فيه، حسب تقديرات محلية، إلى نحو 80% في أوساط القادرين على العمل. ويلحظ، خلال الأشهر الأخيرة، تغير في سلوك عناصر تنظيم داعش من الاستهلاك المفرط والإنفاق على الكماليات إلى الاقتصاد ومحاولة الادخار، إثر التخفيضات المتتالية لرواتبهم الشهرية (حتى وصلت إلى 40 ألف ل. س منذ أشهر).

تشكل التحويلات المالية لأبناء مدينة الرقة العاملين في دول الخليج العربي، واللاجئين في بلدان أوربا وحتى تركيا، بما يقتصدونه من وارداتهم الشهرية، مصدر الدخل الرئيسي لمعظم السكان. ويتراوح معدل الحوالة المالية الشهرية التي يرسلها هؤلاء لذويهم المتبقين في الرقة -حسب تقديرات صرافين- من 200 إلى 300 يورو أو ما يعادلها من العملات الأخرى. تحقق هذه المبالغ حد الكفاف لمستلميها وتؤمن النفقات اليومية الأساسية، رغم الارتفاع المتعاقب للأسعار من وقت لآخر ومع كل تطور أو نكسة جديدة لداعش على جبهات القتال.

حتى الآن ظلت المواد والبضائع المتعلقة بالحاجات اليومية متوافرة، إذ تؤمّن الأراضي الزراعية للقرى القريبة (مثل الكسرات ورقة السمرا) احتياجات الخضار واللحوم. وكذلك تصل المحروقات على شكل نفط خام من دير الزور قبل تكريرها في الرقة. فيما حافظت إمدادات الطحين الأسبوعية للأفران على استقرارها النسبي رغم تحكم داعش في تجارة الحبوب بشرائها معظم محاصيل الموسم الأخير وطرح جزء منها على شكل طحين بأسعار تجارية في السوق، وبيع الجزء الآخر لتجار مرتبطين بالنظام، وفق ما تقول الشائعات.