التنقيب غير المشروع فـي قلعة الرحبة

حفريات في محيط القلعة | عدسة عبود

لصوص الآثار لا يكلّون ولا يملّون، ينتقلون كالوباء من منطقةٍ إلى أخرى، غير مدركين لعواقب ما يفعلونه، فقد أعمى المال عيونهم وأغشى الجشع عقولهم. صيدهم الثمين هذه المرّة هو قلعة الرحبة في الميادين، أو ما يسمى رحبة مالك بن طوق. فبعد عبثهم بآثار الصالحية والسوق المقبي في مدينة دير الزور، تحوّلوا إلى التنقيب تحت قلعة الرحبة، ليزيلوا بجهلهم حضاراتٍ قاتل من أجلها أبناء سوريا منذ مئات السنين.

يعود تاريخ الرحبة إلى الألــف الثالث قبل الميلاد، وقد ورد ذكــــرها في الكتابـــات القديمـــة باسم "رحبوت". أما في المصادر العربية فلم تذكر إلا في عهد الأمير التغلبي "مالك بن طوق العتابي" (ت 259 هـ)، الذي عمل على إعادة الحياة إليها، فأخذت تستعيد أهميتها شيئاً فشيئاً في عهود العباسيين والأيوبيين والمماليك وسواهم. وقد بُنيت قلعتها على مراحل زمنيّة متعدّدة، كان أولها في القرن السادس الهجري، على يد أسد الدين شيركوه.

 

عمليات تنقيبٍ متقطّعة

رحبة2

"عين المدينة" كانــت هناك، لكنها لم تستطع اصطياد أولئك اللصوص بسبب تقطّع عملهم، والمنخفض الجوّي الذي كان أشبه بالعقوبة لهم. ولكننا التقينا بأم أحمد، وهي نازحةٌ مقيمةٌ بالقرب من القلعة، أكّدت لنا وجود أعمال التنقيب بقولها: "يأتي أولئك اللصوص بين الفينة والأخرى مدجّجين بالسلاح، يحملون أدواتٍ أراها لأوّل مرّة. وذات يومٍ أصابني الفضول فذهبت لأرى ماذا يفعلون، واستنتجت حينها بأنهم يبحثون عن الآثار".
وعند دخولنا إلى القلعة وجدنا حفراً كثيرةً كأنها ناتجةٌ عن سقوط قذائف، ولكنها حفرٌ جديدةٌ تمتاز عن القديمة بأن حولها مخلفاتٌ تدلّ على التنقيب. وفي إحدى الحفر لاحظنا وجود أعمدةٍ خشبيةٍ تدلّ على وجود عدّة أبنيةٍ أسفله. وما يلفت النظر وجود آثار عجلات آلياتٍ ثقيلةٍ في أماكن قريبةٍ جداً من القلعة، غير صالحةٍ لسير تلك الآليات، وعند عودتنا إلى أم أحمد سألناها أن كانت شاهدت آلياتٍ تحفر ضمن المنطقة فأجابتنا بأنها رأت تلك الآليات تعمل في تلك المنطقة لوقتٍ قصيرٍ، ثم لم تعد بعدها.

 

وقفةٌ مع المختصّين

ولنسلّط الضوء أكثر على تلك المشكلة قابلنا الأستاذ زياد الطعمة، أحد خريجي كلية الآثار، فشرح لنا أضرار التنقيب قائلاً: "الرحبة اليوم في خطرٍ محدق. وما يفعله هؤلاء اللصوص سيؤثر على هيكل وبناء القلعة، لأنهم يستخدمون أدواتٍ غير صالحةٍ للتنقيب. وما شاهدته بعيني هو وجود حفرٍ تشوّه جمالية القلعة. ومن خلال متابعتي لموضوع الآثار علمت أن هناك قطعاً أثريةً استخرجت من القلعة وبيعت خارج البلاد، على الرغم من أنها تعرضت للكسر بسبب جهل المنقبين".
كـــما التقينا بأحـــــد المهتميــــن بعلم الآثار، ويدعى أبو سالم، وسألناه عن التنقيب في الرحبة فقال: "حين أتت إحدى البعثات الأجنبيّة في الماضي للكشف على موقع الرحبة أجّلت عملها لمدّةٍ بسبب احتياج عملية التنقيب داخل القلعة إلى أدواتٍ دقيقةٍ جداً، بينما عمليات التنقيب الحالية لا يمكن تسميتها سوى بعمليات هدمٍ للقلعة، وردمٍ لما تتضمّنه من تاريخ".

 

إلى متى؟ وما هو الحلّ؟؟

طرحنا هذه المشكلة على بعض الناس في الميادين، فلم نسمع منهم سوى صرخة ألمٍ يتمنّون أن تصل إلى كلّ من يهمه الأمر، لإيجاد حلٍّ جذريٍّ للصوص الآثار الذين يسرقون حضارة شعبٍ سرقت بسمته الحرب. وبالعودة إلى الأستاذ زياد الطعمة طرح عدّة حلولٍ أهمها الردع بالقوة، ومحاربة كل من تسوّل له نفسه العبث بآثار البلد، من لصوصٍ وسماسرةٍ وتجار، والتعويل على منظمات المجتمع المدني في الميادين لتوعية الناس بخطورة السكوت على هذه الجريمة. أما أبو سالم فرأى أن يكون الحلّ عن طريق تشديد المراقبة حول المواقع الأثرية، ومنع إخراج أي قطعةٍ أثريةٍ من البلاد، وأن يكون ذلك من مهام القائمين على المعابر، وكذلك إبلاغ المنظمات الدولية بمواصفات تلك القطع وضرورة إعادتها إلى البلاد.
لكن أم أحمد أذهلتنا حين قالت: "بشار دمّر بيوتنا وأغلى ما نملك، لكننا لن نسمح للصوص العصر أن يدمّروا تاريخنا".