أزياءٌ وتسريحاتٌ أفرزتها الثورة

تعرّضت بنية المجتمع السوري خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى تغيراتٍ عديدةٍ بعضها قد لا يُلاحظ، ولكن البعض الآخر بدا طافياً على السطح الآن. ولعلّ الأزياء واحدةٌ من أهم المظاهر التي تمكن ملاحظتها في أيّ مجتمعٍ بشكلٍ واضح.

عدسة زياد مطر

عدسة زياد مطر

ملابس جديدةٌ بدأت تظهر في الشارع، وقد ارتبط بعضها بالعسكرة. فنرى نماذج عديدةً للزيّ العسكريّ انتشرت في الآونة الأخيرة، من البدلات التي تعرف بالمارينز إلى المموّه الصحراوي إلى المموّه الأزرق.. إلخ. وللمفارقة فإن هذا التنوّع في الأزياء لم يعد يقتصر على الجبهات، بل أصبح زياً طبيعياً يُرتدى في الحياة المدنية، في الشارع والمقهى وما إلى ذلك.
وهناك أزياءٌ ارتبطت بطبيعة الأفكار التي يحملها الشخص. فالشباب المحسوبون على التيار السلفي بمشاربه المختلفة راح أكثرهم يلبس الزيّ المعروف لدى الناس بالباكستاني، والذي بات يغلب عليه اللون الأسود. وقد أوضح لـ"عين المدينة" سبب انتشاره الخيّاط محمد إسماعيل، الذي يخيط هكذا أزياء، بالقول: بعض الكتائب والألوية الإسلامية تعتبر هذا الزيّ بمثابة اللباس العسكريّ، وخصوصاً ذا اللون الأسود. لذلك، ولكوننا نعيش حالة حرب، ازداد الطلب على هكذا أزياء لدرجةٍ طغت على بقية الملابس في بعض الأماكن. وعموماً فإن ميل الناس لتفصيل البناطيل والقمصان وغيرها عند الخيّاطين قد تراجع في السنوات الأخيرة، بسبب جودة صناعة اللباس الجاهز ورخص ثمنه. أما الزيّ الباكستاني فلم يكن يباع في السوق، وجاء الإقبال عليه ليحرّك سوق الخياطين وينشّط مهنتهم.

 

بدلاتٌ صارت مظهراً للأناقة أكثر من العسكرة

ورأى محمد الفيّاض، وهو شابٌّ من قرية الطيبة، أن هناك ظاهرة غير لائقة متعلقة بالأزياء، وهي استخدام الزيّ العسكري كمظهرٍ من مظاهر الاستعراض والتفاخر، إذ قال: تصادفك وأنت تتنقل في مناطق ريف دير الزور المختلفة، وخصوصاً في النواحي والمدن، نماذج وطرزٌ مختلفةٌ للبزّات العسكرية يرتديها أفراد الجيش الحر. بينما راح بعض الشباب من المراهقين ـ حتى ولو لم يكن مقاتلاً ـ يقلدهم في ذلك، ويرافق ذلك ارتداؤه لنظاراتٍ سوداء. وإن كان من مالكي السيارات تراه يتجوّل بسيارته في السوق، في مظهرٍ استعراضيّ، وكأنه يعيد إنتاج نموذج أبناء المسؤولين أو الضباط المدللين التي اتّسمت بها الحقبة السابقة.
وللحصول على هذه البدلات طرقٌ عديدة، بسبب الطلب المتزايد عليها، فتارةً يتمّ الحصول عليها من خلال بعض الأقارب والمعارف المقيمين في الخليج، وتارةً يتمّ شراء قماشٍ مموّهٍ وخياطته عند خيّاطٍ ماهر، لتعطي البدلة منظراً أنيقاً ومرتباً. كما أن هذه البزّات تباع في سوق الملابس المستعملة، أو ما يعرف بالبالة، وخصوصاً البالة الخليجية، التي تحتوي ـ من جملة ما تحتوي ـ اللباس المستعمل لجنود الجيوش الخليجيّة (نمط البدلات المموّهة الصحراوية). وهناك بعض الجنود الذين انشقوا عن الجيش النظامي ولا زالوا يحتفظون ببدلاتهم، فصاروا يرتدونها عندما التحقوا للقتال مع إحدى الكتائب والألوية التابعة للجيش الحرّ.

 

تسريحاتٌ محدثة

أما بخصوص الشعر فباتت نسبةٌ كبيرةٌ من الشباب، وخصوصاً من حملة السلاح، تطيله وتعتني به، لأسبابٍ عديدةٍ اختلفت من شاب لآخر، بحسب توجهه وميوله. وللوقوف على بعض الدوافع وراء هذه التسريحات المختلفة التقينا الشاب (علي) من قرية سعلو، الذي علل سبب إطالته لشعره بالقول: ما دفعني لإطالة شعري هو تطبيق السنّة النبوية الشريفة. فأنا لا أطيله فقط بل أضع الطيب وقليلاً من زيت الشعر، حتى يعطي المظهر اللائق المناسب.
أما عدنان، وهو ينتمي إلى إحدى الكتائب المقاتلة، فعلل إطالته لشعره بالقول: كان أهالي هذه المنطقة، سواء في الريف أم في البادية، يطيلون شعورهم. وهذا سائدٌ ومعروفٌ في منطقتنا. وبرأيي أن طول الشعر يزيد الشاب جمالاً وهيبة، وخصوصاً إذا ترافق مع ذقنٍ مشذّبةٍ بطريقةٍ مناسبة.