(م. أ) الثري المحتال الذي شغل مؤيدي النظام

آخر الشهر الماضي نشرت جريدة الأيام الموالية للنظام خبر إلقاء القبض على (م. أ)، ووصفته بأنه محتال كبير تلاعب باعتمادات مصرفية مكنته من اختلاس (2) مليار ل.س من المصرف التجاري، بمساعدة موظفين من المصرف. وعرفت الأيام بالشخص المتهم بأول حرفين من اسمه (م. أ) وقالت أنه يتحدر من محافظة دير الزور، وبأنه "أحد الأشخاص الذين كونوا ثروات كبيرة خلال فترة الحرب".

شغل (م. أ) مؤيدي النظام، فتناقلوا حكايته على رسائل الواتس اب كحدث مثير يؤكد عزم "الدولة" مكافحة الفساد والفاسدين من "دواعش الداخل"، خاصة أن بطل الحكاية مثال معبّر عن تنفّذ أثرياء الحرب في مجالات عدة، اقتصادية وأمنية واجتماعية ايضاً، ليصل به الحد -حسب القصة المتداولة- إلى توريط وزراء في صفقات كبرى.

سرعان ما كشف أبناء بلدة حطلة  (شمال ديرالزور) هوية (م. أ)، وهو محمد أمين موسى الحمدي، الذي ترعرع في بلدتهم في عقد الثمانينات من القرن الماضي، ابناً لأسرة فقيرة، ووافدة إلى البلدة. تعثّر في مدرسته الإعدادية، وتنقّل في العقد اللاحق بين مهن شتى: فني كهرباء، عامل دهان، فلاح سقاية بالأجرة.. إلى حين تقربه من دعاة نشطين للمذهب الشيعي في البلدة، لتلاحقه شبهات التشيع، خاصة مع تحسن أحواله نسبياً، بتوظيفه في شركة إطعام تعمل في قطاع النفط، لم يلبث أن يطرد منها بعد تورطه بعملية نصب كبّدت الشركة خسائر ب(7) مليون ليرة.

شكلت الثورة فرصة ثمينة للحمدي، تجددت فيها آماله، فعثر على باب عمل يرضي فيه فرع المخابرات العسكرية الذي ارتبط به على وجه خاص من جانب، ويرضي فيه أهالي المعتقلين حين يتوسط لهم من جانب آخر؛ فكان يشي بالمتظاهرين لتعتقلهم المخابرات العسكرية، ثم يسارع بالاستجابة لذويهم حين يطلبون مساعدته بالإفراج عن أبنائهم، ومقابل مبلغ مادي كبير عن كل معتقل، ما حقق -وخلال عام واحد- ثروة معقولة للحمدي.

في العام 2012 وبعيد سيطرة الجيش الحر على بلدته حطلة، غادر الحمدي دير الزور إلى دمشق، ووطد علاقاته مع رجال دين شيعة قدموا من العراق، ومع قادة ميليشيات، بالتزامن مع تأسيسه شبكة متعددة الأنشطة: تقديم خدمات متنوعة للميليشيات، أعمال سمسرة بقضايا المعتقلين بين أجهزة المخابرات ومحكمة الإرهاب وسجن صيدنايا، إضافة لتأسيس شركة حراسة أمنية وظفت شبان شيعة سوريين، وعملت في أكثر من موقع بحي السيدة زينب على أطراف دمشق، ودخل في شراكات تحضيرية لأعمال نفط وأعمال أخرى متشعبة إلى ملف "المصالحة"، وتسويات أوضاع النازحين واللاجئين خارج مناطق سيطرة النظام.. وإلى حين توقيفه -الذي لن يطول- بعد نزاع مع طرف ما من أزلام النظام على الأرجح.

صيف العام الماضي، قتلت أمه وزوجة وأبناء أخيه بغارة لطيران النظام على بيتهم في بلدة حطلة، ولم تصدر عن الحمدي علامة تذمر من السلوك الوحشي للنظام؛ بل استقبل ضباط أمنه وجيشه ومسؤوليه لأداء واجب العزاء في صالة فخمة في حي أبو رمانة وسط دمشق.