نهب مدينة حلب: «إننا نعيش في القرون الوسطى»

وفد أوروبي يزور المسجد الكبير في 4 يونيو - AFP

ديانا دارك
14 كانون الأول عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي

بينما يخيم النهب والتشبيح على المشهد في البلاد، والذي تركت الحرب بصماتها عليه، يجد أولئك المهتمون بالحفاظ على الصروح المعمارية التاريخية أنفسهم عاجزين عن التدخل.

لنقارن ونلاحظ الفرق بين هذين المشهدين: في برلين يقوم فريقٌ من المهندسين المعماريين السوريين الأكفاء، بدعم من متحف الفن الإسلامي، ببناء أرشيف رقمي للصروح التاريخية في حلب، من أجل المساعدة بعملية ترميمها مستقبلا. في حلب عصابة من الشبيحة شبه الأميين يرعاها النمر - العميد سهيل الحسن، أمير حرب مدلل لدى بوتين- تنال الثناء لترميمها البائس لنفس المساجد القديمة التي ساهمت في تدميرها.

في حين تذكر تقديرات أن ثلث مساكن البلاد قد دُمرت أثناء 7 سنوات من الحرب، فهناك حربٌ جديدة بين جيوش من خبراء في ترميم الصروح التاريخية خارج البلاد يتملكهم الإحباط، وجيوش من السُرَّاق يعملون بحصانة على الأرض. في حلب، ثمة بوستر جديد معلق على مبانٍ في مناطق "محررة" عادت إلى سلطة النظام، مكتوبٌ عليه بلغة عربية غير صحيحة قواعدياً "سوا بترجع أحلى". عبارة ملتبسة بشكل معبّر بخصوص من تحديداً سيعيد سوريا أحلى: خليط بلا ذمة من العصابات والشبيحة الذين يسمون أنفسهم "رجال النمر" يزعمون حالياً أن هذا الدور منوط بهم.

غضّ الطرف

مسجد الأكحل في حي الجديدة أحدث كأس من كؤوس تفوقهم، ويعود تاريخه إلى سنة 1485، يظهر عليه اليوم تكحيلة إسمنتية خضراء تفتقر للذوق. ويمتدح فيديو على اليوتيوب إنجازهم هذا، مسمياً إياهم "الأيادي البيضاء". أيضاً أعادوا بناء مدرسة الفضيلة المجاورة، وشيدوا لوحة حجرية ليتيقّنوا أن من سيخلفهم سيعرف أنهم أنفسهم من قام بهذا الصنيع. لا أحد طلب منهم إبراز تصاريح عملهم، وفقاً لمصدر محلي؛ فالفساد متفشٍ في المدينة لأن عصابات من الشبيحة هي من يدير المشهد.

يبدو نظام الأسد غير راغب في -أو عاجز عن- كبح جماحهم، فيغض الطرف عن نهبهم لبيوت السكان المحليين. يقول أحد سكان حلب: "هناك تراتبية بالنسبة للمسروقات: أجهزة التلفاز للضباط، الثلاجات والغسالات لصف الضباط، والخشب وتمديدات الأسلاك المستخرجة من بيوت الناس المهجورة للرتب الأدنى. إنه أمرٌ مقزز، نحن نرى الشاحنات المحملة بالمسروقات وهي تقاد مبتعدة في وضح النهار؛ لا لزوم لفعل ذلك سراً… إنها مكافأتهم على ولائهم. إننا نعيش زمن القرون الوسطى". مناطق بكاملها شرق المدينة وفي مركزها قد دمرت بقصف جوي روسي وسوري، وبتفجيرات الأنفاق المفخخة من قبل المتمردين؛ كل فرقاء النزاع يتحملون مسؤولية دمار المدينة التجارية الرئيسية في سوريا، ومكانة حلب كموقع من التراث العالمي، حسب اليونسكو، لم يمنحها الحماية عندما وصلت إليها الحرب عام 2012.

"فرص الفساد ازدادت أضعافاً"

أعمال الترميم الرسمية الوحيدة الجارية حالياً هي من نصيب الجامع الكبير، وهو أكبر مشروع يموّله الرئيس الشيشاني، أحد أصدقاء بوتين. أما كنائس وكاتدرائيات المدينة فقد رُممتْ بنسبة كبيرة، بفضل القساوسة والبطاركة المقربين من النظام، ووصلت أموال من متبرعين مسيحيين أثرياء إلى سوريا بطريقة ما، رغم العقوبات المالية.

بعض أصحاب البيوت استخدموا عمالاً محليين لإصلاح منازلهم المتضررة بعد سقوط المدينة أواخر عام 2016، لكن لاحقاً بدأت بنى الدولة تفرض نفسها. يقول أحد سكان حلب: "الأمر الآن أسوأ مما كان عليه قبل الحرب. قبل الحرب كانت توجد سلطة واحدة كان عليك الحصول على أذن منها، حالياً هناك 5 سلطات، وكلٌ يريد حصته. فرص الفساد ازدادت أضعافاً".

قاطنو حلب العاديون فعلوا ما بوسعهم بعد سقوط المدينة. شوارع حي الجديدة، وكانت خط مواجهة أثناء النزاع، كانت ممتلئة بالأنقاض من مخلفات القصف الجوي وتفجيرات الأنفاق، ثم قام المتطوعون بتنظيف الشوارع بكد، وهي عملية سرعان ما نالت الحكومة الثناء عليها. ففي 28 أيلول، وصل الأمر بالحكومة إلى حد تنظيم يوم سياحي عالمي في ساحة الحطب، صورته قناة الميادين المناصرة للنظام وقناة روسية رسمية، ليرى العالم كيف كانت حلب تعود إلى حياتها الطبيعية بعد إعادة سيطرة النظام عليها.

لكن نهب مدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من 3 ملايين يستغرق وقتاً طويلاً، وطالما هناك أموال يمكن الفوز بها من النهب، سيستمر ذلك. وفي جو كهذا، لا توجد حالياً إمكانية لإصلاح المئات من صروح حلب المعمارية، فيقف السكان المحليون متفرجين بينما مساجد أحيائهم، التي كانت من قبل مراكز مجتمعاتهم، تتداعى ببطء، ولا تريد الحكومة أن تعيد الجماعات بناء ذاتها، على العكس في تريد للمجتمع أن يبقى مذرراً، إذ يسهل أكثر ضبط هكذا مجتمع.

في وقت سابق في هذا الشهر ظهرت تقارير على شبكة الإنترنت تتحدث عن طَنين من التحف المسروقة التي اكتُشفت في منزل النمر في دمشق. أهذه هي الطريقة التي تعود بها سوريا أحلى؟