طرق التدفئة في الأراضي المحرّرة

خاص عين المدينة

أبو أحمد نازحٌ من ريف حماة الشماليّ إلى ريف إدلب. منذ عشرة أيامٍ يحاول أن يصل، مع أسرته المكوّنة من خمسة أطفالٍ وزوجته، إلى اتفاقٍ على نوع التدفئة التي سيستخدمونها في خيمتهم مع قدوم الشتاء. كل يومٍ، عند هبوط المساء واشتداد البرد، تجلس أم أحمد مع زوجها، وهي تضع ما لديها من أغطيةٍ فوق أولادها لتمنحهم شيئاً من الدفء، يقلّبان في الخيارات الممكنة حتى يغلبهما النعاس.

أجبرت برودة الشتاء غالبية سكان المناطق المحرّرة في الشمال السوريّ على إيجاد بدائل تناسب واقعهم الأليم. ولجأت كثيرٌ من العائلات إلى تأمين الدفء بوسائل بدائيةٍ أو تقليديةٍ غالباً ما تكون ضارةً بالصحة، كتحويل مدفأة المازوت إلى الحطب، أو استخدام مدافئ تعمل على الكاز، وأخرى تعمل على الديزل المكرّر بطرقٍ بدائية.

مدفأة المازوت للميسورين فقط

يقول عماد، أحد سكان سهل الروج الغربيّ بجسر الشغور: «ملكٌ من عنده مدفأة مازوت في هذا الشتاء، فقد تجاوز سعر برميل المكرّر 70 ألف ليرة، والنظامي 100 ألف. يرتفع سعر المازوت ويهبط تبعاً للمعارك شمال حلب».

ارتفعت أسعار المازوت، سواء القادم من شرق سوريا، والذي تتصف برداءة نوعه، أو المهرّب من مناطق النظام. إذ تخطى سعر برميل المكرّر 120 دولاراً، وبرميل النظاميّ 180 دولاراً. ومن المعروف أن المدفأة الواحدة تحتاج برميلاً في الشهر. ووصل سعر المدفأة التي تعمل على المازوت إلى 110 دولارات لبعض الأنواع الجيدة. تتجاوز هذه الأسعار قدرة غالبية السوريين، الذين لا يتجاوز دخلهم الشهريّ معدّل 60 دولاراً، مما جعل من استخدام مدفأة المازوت حكراً على الأغنياء.

مدفأة الحطب تخفف التكاليف

صارت غالبية الناس تعتمد في التدفئة على الحطب، الذي ارتفع سعره ليصل الطن إلى 65 ألف ليرة (120 دولاراً). ولكن طن الحطب يكفي لمدةٍ أطول من برميل المازوت. ولحل مشكلة غلاء مدفأة الحطب، التي يصل سعر بعض أنواعها إلى 200 دولارٍ للمدافئ التركية، يعمد غالبية الأهالي إلى تحويل مدفأة المازوت القديمة إلى مدفأةٍ تعمل على الحطب بإدخال بعض التعديلات عليها في محلاتٍ مخصّصةٍ لذلك.

أبو محمود، من بلدة كفرنبودة، يعمل في إصلاح المدافئ وتحويلها، قال لنا: «نفرغ جوف المدفأة من بعض المعادن التي تعيق وضع الحطب، كما نصنع لها درجاً صغيراً يوضع مكان فتحة التهوية، وظيفته استيعاب رماد الحطب المحترق (الصفية)».

أصبح من المألوف أن تشاهد الناس تبحث بين القمامة عن قطع الخشب الصغيرة، أو تراهم على أطراف القرى يحملون أكياساً على دراجاتٍ ناريةٍ أو هوائية، وقد جمعوا فيها الأعواد وأغصان الأشجار أو مواد بلاستيكية يمكن أن تحرق.

مدفأة الكاز سعرها أرخص لكن ضررها أكبر

من البدائل الأخرى مدفأة الكاز، وسعرها أقل من مدفأة الحطب. وهي عدة أنواع، بعضها محليّ الصنع لا يتجاوز سعرها الـ13 دولاراً، ومنها المستورد من الهند أو الصين ويتراوح سعرها بين 20 و40 دولاراً للنوع الجيد. لا تستهلك هذه المدافئ الكثير من الوقود، لكن تدفئتها تبقى قليلةً أيضاً، ولها الكثير من المضارّ، خاصّةً وأن الكاز المستخدم من الأنواع الرديئة المكرّرة يدوياً. ويحرق هذا النوع الأوكسجين في الغرف المغلقة مما يزيد من احتمال الاختناق، بالإضافة إلى الروائح التي تؤثر كثيراً على جهاز التنفس -خاصّةً لدى الأطفال- وتزيد احتمال الإصابة بالربو وضيق التنفس والحرقة في العيون. تعتمد غالبية الناس على بابور الكاز في الطهيّ، وهو أداةٌ قديمةٌ جداً عادت صناعتها إلى الازدهار بعد غلاء الغاز. وتستخدم بعض العوائل -التي لا تستطيع شراء المدفأة- البابور في التدفئة والطبخ معاً.

مدافئ آلية

انتشرت، في المناطق التي يُزرع فيها الفستق الحلبيّ، مدافئ تعمل على قشر الفستق. وقد عرضنا لها في العدد 64 من «عين المدينة». تتسم هذه المدافئ بغلاء سعرها، لأنها تحتاج إلى محرّكٍ كهربائيٍّ يعمل على البطارية يقوم بدفع القشور بشكلٍ آليّ، فيتراوح سعرها ما بين 100 و300 دولارٍ. ووصل سعر طن قشر الفستق إلى 160 دولاراً هذا العام.

المحامي أحمد بكري، من أهالي بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبيّ، قال للمجلة: «لم تكن للقشور أي قيمة. ومع انتشار هذا النوع من المدافئ أصبح القشر يباع، وارتفع سعر الطن كثيراً بسبب ارتفاع أسعار المازوت والحطب».

تبقى مدفأة الكاز هي الشائعة في المخيمات، لرخص ثمنها وقلة مصروفها، رغم المضار الكثيرة التي قد تنجم عن استخدامها، لذلك استقر أبو أحمد على شراء مدفأة كاز. لكن ما أن انتهت حيرته في نوع التدفئة حتى وقع في حيرةٍ أخرى هي كيف سيؤمّن ثمن المدفأة.