تأخذنا المشاهد المنقولة من أمام السفارة السورية في بيروت، يوم انتخاب بشار الأسد، سنواتٍ كثيرةً إلى الوراء. وتقودنا إلى العثور على عينةٍ غير متجانسةٍ من السوريين لم تطرأ في حياتها ثورة، بل تغيّرٌ في الظرف فقط، تراه أزمةً عارضةً تشبه الامتحان العام الذي يتسلم في نهايته كلّ سوريٍّ جائزةً أو ينال عقوبة، بحسب دوره وأدائه خلال السنوات الثلاث الفائتة. ويرى هؤلاء المتجمهرون بالآلاف أن للسلامة طريقاً واحداً هو أن تكون مع الأسد. وكما تقول فتاةٌ محجبةٌ ترتدي قميصاً عليه صورة بشار، ظهرت في مقطعٍ تلفزيونيّ، أنها "مع الأسد لأنه ما بدنا غيره". ويهزّ شابٌّ، يبدو من هيئته أنه عامل بناءٍ، رأسه مؤكداً على هذه المعية. وكذلك يفعل نازحٌ عاديٌّ وطالبٌ وربة منزلٍ، قبل أن تنتقل الكاميرا إلى شبيحٍ نموذجيٍّ بلحيةٍ وعضلاتٍ ورأسٍ مكعب الأضلاع، راح يصرخ بـ"غير تلاتة ما بنختار.. الله وسوريا وبشار". ويمضي المشهد إلى نهايته دون مفاجآت؛ فالشعب يتنافس مع نفسه بإظهار الولاء، ويقول كلمته أمام العالم. وأمام العالم أيضاً تنقل الصورة شيئاً آخر عن كائناتٍ تنتمي إلى نوعٍ من أنواع العبيد، نوعٍ خاصٍّ لا يخجل من إعلان عبوديته بل يباهي بها، ويجعل منها موقفاً بالتصالح الدائم مع السفاح، وتلمّس الأعذار له مهما فعل، إلى حدّ اتهام الضحية، في سلوكٍ ناجمٍ عن شرورٍ أصيلةٍ هي من خصال العبيد الذين يدافعون عن الذات في لحظات الاضطراب بمزيدٍ من العبودية. نعم... بين الجموع خائفٌ من بطش حزب الله، وجائعٌ يريد سلة غذاء، وراغب سفرٍ يريد وثائق. ولكن لجميعهم آذانٌ وأعينٌ وقلوبٌ أدركت في لحظةٍ ما سالفةٍ من هو المظلوم، وقرّرت دعم ظالمه عليه، وأمام الكاميرا.