سليّم الخالد: ننتظر ولادة جسمٍ عسكريٍّ يجمع أبناء دير الزور

سننتصر وسيذهب الزبد ونبقى نحن لأننا على حقٍّ وسنبني سوريا من جديد

حاورته هيئة التحرير

قد تكون الثورة بالنسبة إلى سليمان عيادة الخالد، المعروف بـ"سليّم"، استئنافاً لحادثةٍ قديمةٍ من العام 1986، عندما كان طالباً في الصف التاسع يسمع همساً من الناس حكايا عن وحشية النظام الذي يمجّده بعثيو المدرسة، ليستبدّ به الغضب ذات يومٍ ويمزّق صور حافظ الأسد من على جدران الصفّ، وكذلك شعارات حزب البعث وعهد الشبيبة بـ"التصدّي للإمبريالية والصهيونية والرجعية وسحق أداتهم المجرمة عصابة الإخوان المسلمين العميلة". خلال شهرين في أقبية المخابرات بعد ذلك تعرّض سليّم لأشدّ أنواع التعذيب التي جعلته "لا يكره شيئاً في الدنيا مثل كرهه لنظام الأسد". سنواتٌ كثيرةٌ مرّت، كبر سليّم خلالها وصار فنيّ كهرباءٍ وموظفاً في محطة مياه بلدته الشحيل. لتأتي الثورة وتمنح ممزّق صور حافظ الأسد القديم فرصته ليتظاهر ويحمل السلاح دفاعاً عن المتظاهرين ويمزّق من جديدٍ صور الأسد الابن وما تبقى من صور الأب.

في الشهر السادس من عام 2011 أسّس سليّم كتيبة "أسود الجزيرة والفرات"، التي اتحدت مع كتائب أخرى في الشهر الأول من العام 2012 لتشكل لواء جعفر الطيار الذي كان له حضورٌ لافتٌ في المشهد الثوريّ العسكريّ بدير الزور. إذ حقّق بقيادة سليّم –ومع تشكيلاتٍ أخرى- إنجازاتٍ كبرى كان أبرزها تحرير مدن الميادين ومعدان والتبني ومنطقتي الشولا وكباجب وموقع الكبر النوويّ في الريف الغربيّ. قاد سليّم "جيش الإسلام في المنطقة الشرقية" الذي ضمّ وقت إعلانه لواء جعفر الطيار وألويةً أخرى، وكان له دورٌ رئيسيٌّ في الحرب ضد تنظيم داعش الذي نجح، بعد ستة أشهرٍ من المعارك تقريباً، في احتلال المحافظة.

 

هل كنت تتوقع أن يحدث ما حدث للجيش الحرّ بدير الزور؟

لا، أبداً. ولكنني أحسست بالقلق في وقتٍ مبكّر، وتحديداً بعد أن حرّر الجيش الحرّ معظم المحافظة وانصرف بعض القادة والكتائب والتشكيلات إلى آبار النفط وصوامع الحبوب. وكذلك أشعرني بالقلق التأثيرُ المتزايد للمشاريع القادمة من الخارج، وكنت أرى دورها في تخريب الجيش الحرّ وتفكيك كتائبه خدمةً لأهدافٍ غير تلك التي خرجنا من أجل تحقيقها. اندلعت الثورة ضد الظلم والفساد، وكانت أهدافنا ضمن هذه الخريطة؛ خريطة سوريا، لكن لأصحاب هذه المشاريع طموحاتٍ مختلفةً ورأياً لا يقيم لمبادئ الثورة اعتباراً كبيراً. شهدنا اغتيالاتٍ وتصفياتٍ لقادةٍ في الجيش الحرّ نعلم أن من وقف وراءها كان من المتطرّفين في تنظيم داعش أو من انضمّ منهم إلى داعش وقت إعلانها. طرفٌ آخر أسهم أيضاً في تخريب الجيش الحرّ هم جامعو التبرّعات أو الأموال المقيمون في دول الخليج على وجه الخصوص، سواء أكانوا مجموعاتٍ أم أفراداً، إذ استغلّ هؤلاء حاجة بعض القادة وجشع البعض الآخر. كانت حفنةٌ من الدولارات يتسلمها البعض من جامعي الأموال كفيلةً بتفكيك تشكيلاتٍ وإعلان أخرى، من ألويةٍ وفرقٍ ثم جيوشٍ وجبهاتٍ وغير ذلك مما اعتدنا رؤيته، وخاصّةً في العام الذي سبق احتلال داعش المحافظة.

ألم تفكروا في بناء مؤسّسات، أهمّها بالطبع مؤسّسةٌ عسكريةٌ تدير العمل المسلح بشكلٍ منظّمٍ ومنضبط؟

كانت نظرتنا قاصرة، ولم نفكر في أهمية الجانب المدنيّ من الصراع. كنا نفكر فقط في طرد قوّات الأسد من المدن والقرى دون أن نفكر في من سيديرها بعد التحرير. كان علينا أن ندافع عن المجالس المحلية وعن أصحاب الخبرة والاختصاص في المنشآت العامة من الذين تركناهم وحدهم في مواجهة اللصوص والفوضويين والانتهازيين. ولم ندرك آنذاك أهمية أن ننخرط جميعاً في جسمٍ عسكريٍّ واحدٍ بل زاد انقسامنا وتشتت غاياتنا بين من يقاتل من أجل المال على آبار النفط والمواقع الحكومية الأخرى ومن يواصل قتال النظام.

لماذا لم يحمِ لواء جعفر الطيار، وهو من أقوى تشكيلات الجيش الحرّ وأوسعها انتشاراً، بعض المنشآت العامة؟

نجحنا في حماية معظم المنشآت التي حرّرها اللواء، مثل حقل الورد النفطيّ. وساعدنا مجلس المحافظة في مشروعه بتأسيس مصفاة نفطٍ في هذا الحقل. ولم نكن وحدنا في منشآت النفط الأخرى، وأسهمنا -حسب ما نستطيع- في تقليص الأضرار عليها.

لكن لواء جعفر الطيار لم ينتزع بئراً تابعاً لحقل الورد، ولا يبعد عنه سوى مسافةٍ قصيرةٍ، من سيطرة شخصٍ واحدٍ شغّله لحسابه لأكثر من عامٍ كامل؟

صحيح. لم نفعل شيئاً مع هذا الشخص لأننا تجنبنا الصدام مع المدنيين حتى لو كانوا لصوصاً من هذا النوع، إذ سرعان ما يظهر للصّ أقارب وعشيرةٌ تدافع عنه وندخل بعدها في صراعاتٍ لا تنتهي. في حقل الورد حاولت بعض عشائر المنطقة أن تطردنا بحجّة أن هذا الحقل يقع ضمن أراضيها، وهي الحجّة المتكرّرة في كلّ موقعٍ نفطيٍّ بدير الزور. لم ندخل معارك من هذا النوع، ولو قاتلنا اللصوص لما وجدنا وقتاً لقتال قوّات الأسد. لو كانت هناك سلطةٌ وقضاءٌ وشرطةٌ لقامت بهذه الأعمال، ولكن هذا لم يحدث مع الأسف. وحتى الهيئة الشرعية المركزية لم تقم بهذه الأعمال إلا في نطاقٍ ضيقٍ وخدمةً لجبهة النصرة فقط.

يقول الناس في دير الزور إن الهيئة الشرعية كانت منحازةً، وكانت تحابي أبناء عشيرة البوكامل، وخاصّةً منهم أبناء بلدة الشحيل، إلى الدرجة التي أطلق عليها السكان اسم هيئة البوكامل؛ هل توافق على ذلك وأنت ابن عشيرة البوكامل وبلدة الشحيل؟

لا، لم تكن الهيئة الشرعية للعشيرة أو للشحيل، إنما كانت لجبهة النصرة. ولأن الشحيل هي المعقل الرئيسيّ للنصرة بدير الزور، ولأن كثراً من قادتها ينتمون إلى هذه البلدة، اختلط الأمر على الناس. والدليل هو ما لقيناه نحن من هذه الهيئة التي أخرجتنا من حقل العمر ومن معمل كونيكو للغاز لتستفرد جبهة النصرة بهما، قبل أن يُطرد ممثلنا في هذه الهيئة.

كيف انتصرت داعش في دير الزور؟

أسبابٌ كثيرةٌ أدّت إلى انتصار داعش، منها سقوط الموصل والمحافظات العراقية الأخرى على الحدود مع سوريا، وما استولى عليه التنظيم من كمياتٍ هائلةٍ من الأسلحة، وكذلك الانقسامات والخلافات بين عشائر دير الزور، وسلوك الهيئة الشرعية أو جبهة النصرة وبعض تشكيلات الجيش الحرّ التي دفعت بتشكيلاتٍ وعشائر أخرى إلى أحضان داعش لا حباً بها بل كرهاً بخصومها وكيداً لهم.

لماذا سقطت الشحيل بهذه السهولة أمام داعش؟ لماذا لم تواجهوا التنظيم عندما كان على أطراف البلدة؟

قبل أن تقترب داعش من الشحيل تكبّد أبناء هذه البلدة -بفصائلهم المختلفة- خسائر فادحةً خلال المعارك التي خاضوها لأشهرٍ عدّة. وحين اقترب التنظيم منا كنا منهكين ووحدنا تقريباً بعد أن خذلتنا بعض العشائر التي قال بعض زعمائها دعوا الشحيل والبكيّر -أو داعش والنصرة- يفنون بعضهم، فكلهم بوكامل وفخار يكسر بعضه. قبل يومٍ من دخول داعش، من أصل ألف مسلحٍ أو مقاتلٍ ضدّ داعش في الشحيل لم يبق سوى 25، وتوزّع الباقون بين من جلس في بيته منتظراً ما ستؤول إليه الأمور، وبين من كان يقاتل داعش في معارك أخرى من المعارك الكثيرة التي أطلقتها في وقتٍ واحدٍ وأمكنةٍ مختلفةٍ من المحافظة.

لماذا لم يولد حتى الآن جسمٌ عسكريٌّ يجمع أبناء دير الزور بعد عامٍ ونصفٍ من احتلال داعش؟

لأننا جميعاً، كلّ قائدٍ ومجموعةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ من دير الزور، مرتبطون بجهاتٍ أو بفصائل أخرى تتولى تمويلنا وتسليحنا ولا نقدر على مغادرتها دون بديلٍ مقنع. نحن، مثلاً، ليس أمامنا إلا جيش الإسلام. وكذلك حال معظم أبناء دير الزور في أحرار الشام وجبهة النصرة وغيرهم ممن يضطرّون إلى مجاملة مموّلين أو داعمين. حتى الآن لم تبدِ أيّ دولةٍ أو جهةٍ اهتماماً بدير الزور. كلّ ما يحدث هو استغلال أو تسخير مقاتلي المحافظة في مشاريع غير مخلصةٍ وبعضها مشبوهٌ يتجاهل نظام الأسد، وهو أصل البلاء ومنبع الإجرام والسبب الأوّل في ظهور داعش وتمدّدها. سنبقى ننتظر حتى يولد جسمٌ عسكريٌّ يوحّدنا لتحرير بلدنا ويعمل على تحقيق أهداف الثورة التي خرجنا من أجلها. وإلى أن يحين ذلك الوقت سنقاتل مع إخوتنا على الجبهات في المحافظات الأخرى، فنحن سوريون أيضاً، وأيّ انتصارٍ على قوّات الاسد وداعش في أيّ مكانٍ من سوريا هو انتصارٌ لنا.

لو ظهر هذا الجسم؛ هل تقبل أن تتخلي عن صفتك كقائد؟

أقسم بالله أن أكون مقاتلاً عادياً، وبأقلّ درجةٍ، في أيّ جسمٍ أو تشكيلٍ يحقق ما نطمح إليه، وأن أتبع أيّ قائدٍ لهذا التشكيل.

كلمة أخيرة...

أنا متفائلٌ رغم الواقع البائس. ستنتصر هذه الثورة حتماً. وسيعود المهجّرون وستبنى سوريا مرّةً أخرى بعون الله. وسيذهب هذا الزبد وسنثبت نحن في النهاية لأننا على حقٍّ ولأننا أصحاب هذه الأرض.