بوتين يستمتع بشمس سوتشي بينما يصرّ على حرمان السوريين من المساعدات

مارك براون | مجلة فورين بوليسي | ترجمة: منصور العمري

قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفخرٍ دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، ولكن سياسته الخارجيّة في سورية تتناقض مع المثل الأولمبية. فبعد أسبوعٍ واحدٍ فقط من اقتراح وزارة خارجية بلده وقف إطلاق النار الإنسانيّ في سوريا خلال دورة الالعاب الأولمبية، تُعتبر حكومة بوتين الآن أحد الرافضين الرئيسيين في مجلس الأمن الدولي لقرارٍ من شأنه تجسيد تلك المشاعر الأولمبية الرائعة.

يجب على موسكو أن تصرّ على الحكومة السورية بالسماح للمساعدات المطلوبة بشدّةٍ لتصل إلى السوريين الذين يموتون من الجوع ونقص الرعاية الطبية بسبب الحصار الذي تفرضه قوّات بشار الأسد. ولكن حتى الآن لم تبد أيّ مؤشرٍ على دعم القرار في الأمم المتحدة، وقال المبعوث الروسي فيتالي تشوركين الأسبوع الماضي إن روسيا "ضد اتخاذ قرارٍ الآن في مجلس الأمن" معتبراً أن "هذا ليس وقتا مناسباً".
وفقاً للأمم المتحدة يواجه أكثر من 242 ألفاً من السوريين الحرمان الشديد حتى المجاعة في المدن المحاصرة، ومع صور الأطفال السوريين النحيلين التي تطارد عناوين الصحف الآن، ليس هناك في الواقع أي وقتٍ لنضيعه. إلا أن بشار الأسد يعمد أيضاً إلى عرقلة المساعدات بطرقٍ مختلفة، بما في ذلك عدم السماح لأي قوافل إغاثةٍ بدخول المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

صفقة حمص

بعد جهدٍ كبيرٍ وافقت جميع الأطراف على وقف العمليات العدائية لمدة ثلاثة أيامٍ من أجل السماح بتسليم المساعدات إلى المدينة القديمة في حمص التي يسيطر عليها الثوار. وعبّر نائب وزير الخارجية الروسية على الفور على تويتر عن ارتياحه لهذا الاتفاق الذي "يدلّ على أن المشاكل الإنسانية في سوريا لا يمكن أن تحلّ إلا من خلال خطواتٍ ملموسةٍ بدلاً من اعتماد قرارات مجلس الأمن الدولي المسيّسة".
كانت صــفقة حمص خــــطوةً صغيرةً ولكنها لا تشكل حلاً حقيقياً، فالإغاثة الجزئية لـ 2500 من السوريين المحاصرين في حمص لا تغيّر وضع حوالي 3 ملايين من السوريين يواجهون صعوباتٍ في أماكن أخرى من البلاد. تم إجلاء ما يقرب من 1000 شخصٍ من المنطقة، وجاء عمل الإغاثة المقدّم من الأمم المتحدة تحت قصف قذائف الهاون، كما قُتل العديد من السوريين أثناء انتظارهم للحصول على مساعدات.
تثير صفقة حمص أيضاً مخاوف من أن الحكومة السورية ستتحايل على التزاماتها بموجب قوانين الحرب كي تقوم بتكثيف حملتها العسكرية. أكثر من 300 رجلٍ تتراوح أعمارهم بين 15 و54 سلموا أنفسهم إلى السلطات السورية كجزءٍ من عملية الإجلاء في حمص وبقي مصيرهم غامضاً. وحذّر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أن هذه الإجراءات تحمل أصداء مذبحة سربرنيتشا في يوغوسلافيا السابقة، حين تم فصل الرجال عن النساء والأطفال ثم ذبحهم. وهناك أيضاً إمكانيةٌ لعملياتٍ انتقامية تقوم بها قوات الأسد ضدّ من بقي في حمص بعد عمليات الإجلاء، إذ ستعتبر الحكومة السورية أن كلّ من بقي في المدينة هم من "الإرهابيين".

التحايل الروسيّ الأسديّ

الهلال الأحمر العربيّ السوريّ، وهو المنظمة الإنسانية المسؤولة عن توزيع المساعدات في جميع أنحاء البلاد، يقرّ أن هناك سبلاً أفضل لتقديم المساعدات. وأشار إلى موافقة الحكومة السورية في وقتٍ سابقٍ على إجلاء النساء والأطفال بشرط تقديم قائمةٍ من الرجال المتبقين.     وهو ما سوف "يقسم العائلات ويمكن أن يؤدّي إلى تصعيدٍ بين المدنيين في الداخل". وقال الهلال الأحمر العربيّ السوريّ إن جميع الأطراف يجب أن تدفع باتجاه توفير الوصول الآمن دون عوائق للمساعدات والقوافل الطبية في كلّ مكانٍ في سوريا.
لم تسمح الحكومة السورية أيضاً للمساعدات الإنسانية القادمة من تركيا المجاورة بالمرور، ووضعت العراقيل في طريق إيصال المساعدات إلى المناطق المعارضة من بلدانٍ أخرى. وقامت بالتلاعب والتحايل داخل البلد، كإجبار قوافل المساعدات على السفر في طرقٍ ملتويةٍ وخطرةٍ وأطول بعشر مرّاتٍ من الطرق المباشرة، وبالتالي الحكم على آلاف الناس بالجوع والمرض، والموت في بعض الأحيان.
تتجاهل هذه السياسات تماماً التزام سوريا بالسماح بوصول المساعدات - بموجب قوانين الحرب - إلى كل المدنيين الذين يحتاجونها.
ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بوقف جرائم الحرب هذه، تصمت روسيا الداعم الرئيسيّ لنظام بشار الأسد في الأمم المتحدة. بل تعارض منذ مدةٍ طويلةٍ عمل الأمم المتحدة لدفع حكومة الأسد على الوفاء بالتزاماتها الدولية. وخاصةً بعد صفقة الأسلحة الكيميائية الخريف الماضي بوساطةٍ من حكومة الولايات المتحدة وروسيا، كما أصبح صمت مجلس الأمن تجاه الكارثة الإنسانية في سوريا كارثةً أخرى.
لدى روسيا الآن فرصةٌ حاسمةٌ للمساعدة في حلّ الأزمة الإنسانية من خلال دعم صدور قرارٍ من مجلس الأمن يطالب  بممرٍّ آمنٍ للمــــساعدات لجـــميع المدنيين بالوسائل المتاحة. ومثل هذا القرار سيكشف حقيقة سياسة موسكو واستحقاقها لاستضافة الروح الأولمبية وقيمها.