السيّارة "الحلفاوية"... مقصد المواطنين البسطاء في الشمال السوريّ

كان اقتناء سيارةٍ خاصّةٍ حلماً صعب المنال يراود كلّ سوريٍّ، بسبب الغلاء الفاحش والرسوم الضريبية والجمركية التي كان نظام الأسد يفرضها على السيارات. ما دفع البعض إلى التصنيع المحليّ لسياراتٍ متواضعةٍ في ورشاتٍ صغيرة، رغم ملاحقة نظام الأسد لمصنّعي هذه المركبات ومقتنيها.

"الحلفاوية" سيارة نقلٍ زراعية. سمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى المكان الذي يقطنه صانعوها، وهو مدينة حلفايا في الريف الغربيّ لمحافظة حماة. كان موقع حلفايا على الطريق العامّ الذي يربط الساحل مع الداخل، ووجودها وسط سهلٍ واسعٍ يمتدّ من حمص حتى جبال اللاذقية غرباً وجبال الزاوية شمالاً، والحاجة الملحة إلى مركبةٍ رخيصة الثمن قادرةٍ على تلبية حاجات المزارعين في نقل محاصيلهم إلى أسواق المدن القريبة، بالإضافة إلى عوامل أخرى؛ ما دفع إلى تصنيع هذه السيارة.

أيمن عبد الرحمن مزارعٌ يقتني الحلفاوية منذ عشر سنوات، يقول: "كان سعرها قبل الأحداث يتراوح بين 80 و150 ألف ليرةٍ سورية، أما الآن فأصبح بين 600 ألفٍ و1.5 مليون ليرة. ولكنها، في جميع الأحوال، رخيصةٌ مقارنةً بالسيارات الشاحنة".

تأثرت بعض المنشآت الصناعية بالحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات. والكثير منها هجر أماكن إقامته الأولى إلى ريف إدلب وريف حلب الشماليّ، بسبب تعرّض المناطق الصناعية للقصف، والسرقة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بالإضافة إلى الملاحقة والاعتقالات التي دفعت الشباب إلى النزوح إلى مناطق أكثر أمناً. وكغيرها، اتجهت الورش الصغيرة التي كانت تعمل على تصنيع الحلفاوية لتستقرّ في شمال سوريا وتجد سوقاً رائجةً هناك.

وسيم صاحب ورشةٍ لصناعة الحلفاويات، انتقل من حلفايا إلى ريف إدلب الشماليّ، قريباً من الحدود مع تركيا. وهو يقول: "بدأ تصنيع هذه السيارة في تسعينات القرن الماضي، كتطويرٍ لما كان يسمّى بالطرطورة أو الطريزينة. ولذلك كانت في البداية على ثلاث عجلاتٍ، ولكن بمحرّكٍ يابانيٍّ مازدا 3000 بقوّة 14 حصاناً. وبسبب عدم توازنها، وتعرّض العديد منها للحوادث، تمّ تطويرها لتصبح بأربع عجلاتٍ ومحرّك هونداي بقوّة 18 حصاناً. إلا أن الثانية أغلى سعراً من الأولى بالطبع".

يتابع وسيم: "تتمّ صناعة الحلفاوية وفقاً لطلب المشتري، فهو الذي يختار استطاعة المحرّك ونوعه. وعلى الغالب يتمّ الآن اختيار محرّكات الفان 98 أو 2000. وأمام الزبون الكثير من الخيارات أيضاً؛ يمكن أن يختار حجم الهيكل، وسعة السيارة، وشكل القيادة، والدواليب، والدوزان، ونوعية المقاعد، والتابلو، والصندوق، وارتفاعها وانخفاضها".

تتصف الحلفاوية بأنها آلةٌ قويةٌ بسبب محرّكها الكوريّ القويّ. وهي متوازنةٌ أثناء السير بها بالسرعات العالية، لأن وزنها يبلغ 1،8 طن. وهي مصنّعةٌ من الحديد بسماكة 2 ملم. تستطيع حمل 3 أطنانٍ في صندوقها. وتسير لمسافاتٍ كبيرة. تتوافر قطع الغيار لها بكثرة لأن غالبية القطع من شركاتٍ كوريةٍ وهي تكثر في السوق المحلية نتيجة اعتماد سوق السيارات السوريّ على السيارات الكورية التي تشكل 60% من السيارات المستوردة.

وعملت بعض الورشات على تصنيع ألعابٍ للأطفال مشابهةٍ للحلفاوية، لكن لم يكتب لصناعة هذه المجسّمات الصغيرة النجاح بسبب التكلفة العالية وصعوبة التصنيع البدائيّ لها وعدم القدرة على إنتاج أعدادٍ كبيرةٍ منها.

أما خلال الثورة فقد استخدمت الحلفاوية بشكلٍ كبيرٍ في المعارك، بعد تزويدها برشاشٍ مضادٍّ للطيران. فقد أثبتت فاعليةً وجدوى أكثر من السيارات الأوربية الحديثة، بسبب قوّة الهيكل ووزنها الذي يقلل الاهتزاز ويساعد على تحقيق الهدف منها، والأهمّ قوّة محرّكها الذي يمكنها من التنقل في المناطق الصعبة والوعرة.

يختم وسيم حديثه بالقول: "بما أن الحلفاوية هي أوّل سيارةٍ صنعت بأيادٍ سورية، كان النظام دائم الملاحقة لمصنّعيها ومالكيها بحجّة أنها غير مسجلة برخصة سيرٍ نظامية، ولا توجد لها قيودٌ في المرور والمواصلات والجمارك. ولذلك عملت وزارة الداخلية على مصادرتها وحرقها أحياناً، فضلا عن اعتقال سائقها، وتشميع المحلات المصنّعة لها وسجن العاملين فيها".