هجمات التحالف تلهب أسواق المحروقات بدير الزور

وجوهٌ شاحبةٌ تقف مرتبكةً في طابورٍ أمام بائعي البنزين، عيونهم شاخصةٌ إلى السماء ترتقب طائرات التحالف. يذكّر المشهد بمشاهد أخرى سابقةٍ للثورة، أيام الأزمات غير المبرّرة على المحروقات، إلا بشائعةٍ عن رفعٍ محتملٍ لأسعارها. وفي الحالتين يتذكر سكان دير الزور أن حقول النفط الكبرى تقع في محافظتهم.

بدأت طائـرات التـحالف أولى غاراتها يوم 23/9، بقصفٍ ليليٍّ على مقرّات تنظيم "الدولة الإسلامية" في الرقة. وفي الصباح كان الموعد مع البوكمال. لم يخفِ التحالف رغبته في استهداف حقول النفط التي تعدّ أهم مصدر تمويلٍ للتنظيم. فبعد أيامٍ من بداية الحملة قصف حقل العمر قرب الميادين، وهو أحد أكبر حقول النفط في سوريا. عندها ارتفعت أسعار المحروقات على الفور، ما دفع إلى زيادة الطلب عليها خوفاً من تصاعدٍ إضافيٍّ في السعر. يفسّر أبو علاء، وهو صاحب "كازيةٍ" في ريف دير الزور الشرقيّ، إقبال السكان الشديد على تموين المحروقات بمخاوفهم من استهداف آبار النفط والمصافي المحلية. وهي مخاوف في محلّها، إذ لم تلبث طائرات التحالف أن هاجمت منشآتٍ نفطيةً في المحافظة.
وكانت البداية بتدمير 12 مصفاةً تتبع للتنظيم، ليوقف بعض أصـــحاب المصافي الخاصّة العمل في منشآتهم خوفاً من مهاجمتها. وهي مصافٍ بدائيةٌ في معظم الأحوال، تعتمد مبدأ الحرق المباشر للنفط الخام. وتراجعت كذلك عمليات نقل النفط وتوزيعه، إذ توقفت كثيرٌ من السيارات عن نقل النفط. يقول محمود، وهو سائق صهريجٍ كان ينقل النفط الخام، إنه يخاف هجمات الطائرات التي لا تميّز بين الصهاريج الخاصة والصهاريج التابعة "للدولة"، ولهذا توقف عن العمل. ضاعف كلّ هذا من أسعار المحروقات، فقد ارتفع سعر البنزين المكرّر محلياً إلى 100 ليرةٍ لليتر بالحدّ الأدنى، وارتفع سعر البنزين الأحمر إلى 125 ليرةً لليتر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مادة المازوت، مما رفع أسعار كلّ شيءٍ، بحسب ما يقول محمود: "بدءاً بأجرة الركاب وانتهاءً بأسعار المواد الغذائية، من خبزٍ وخضارٍ ولحوم". ويتساءل محمود، بعد أن فسّر "فهمه لآثار الغارات" بأنه متعلمٌ وخريج معهدٍ متوسط: وماذا عن آلاف العائلات التي شكّل لها العمل في تكرير أو بيع النفط مصدر دخلٍ وحيد؟ وعن آلافٍ غيرهم يعملون في فرصٍ أتاحها ضخّ أموال النفط -أو بعضها- في دورة اقتصاد المحافظة؟
يبدي ناشطون وسكانٌ كثر في دير الزور قلقهم من احتمال توقف إنتاج النفط في المحافظة بسبب الهجمات الجوية، مما يعني، بحسب ما يتوقع أيمن (40 عاماً، من الميادين) كارثةً حقيقيةً على "الناس العاديين اللي ما يفكر ولا يهتم بحالهم أحد". والشتاء على الأبواب، ولا وجود حقيقياً للتيار الكهربائيّ لكي يكون بديلاً عن المدافئ المشغلة بالمازوت.
إلى الآن، وبعد أسبوعٍ من بدء الهجمات الجوية على مواقع التنظيم بدير الزور، هناك خاسرٌ واحدٌ -بحسب ما يكرّر معظم السكان- هو المواطن... الذي لا يملك من أمره إلا الدعاء.