منظمات الميادين بين "شرط النصف" ومخاوف الإغلاق

لم تترك سياسة الحزب الواحد أيّ هامشٍ للسوريين لإيجاد ألوانٍ أخرى غير ألوان البعث ينتظمون تحتها، مما جعل سوريا الملوّنة -قبل البعث- تدخل في طور الألوان الباهتة شيئاً فشيئاً، إلى أن وجدت نفسها تعايش عقوداً أربعةً من التصحّر. وحين جاءت الثورة في 2011 كانت بمثابة الحجر الملقى في مياهٍ راكدة، اتسعت الدوائر حوله حتى ضمّت المجتمع السوريّ بأكمله تقريباً، فكثرت الجمعيات ومنظمات العمل المدنيّ بشكلٍ يبعث على التفاؤل. إلا أن هذا الحال لم يدم طويلاً في دير الزور وفي الميادين تحديداً، فلم تلبث رايات داعش السوداء أن ألقت بظلها على المدينة وساكنيها.

وبدأ الانسـحاب نحو الخلــف يصبح حركةً شبه موحّدةٍ قامت بها غالبية منظمات العمل المدنيّ في الميادين، والتي تقســـم إلى قسمين، بحسب عادل مصطفى، أحد العاملين في مجال الإغاثة في الـمدينة: "الأوّل مـــرتبطٌ بالأنشــطة الاجتماعية والتعليـمية، والثاني مرتبطٌ بالنشاط الإغاثيّ. وكلاهما تعرّض لهزّةٍ عنيـفةٍ على ثلاثـة مــستويات؛ الأول مرتبطٌ بإيقاف التمويل من المنظمــــات الدولية، التي بادرت غالبيتها إلى إيقاف المشاريع التي تموّلها في الميادين، خوفاً من وقوع التمويل أو بعضه بيد تنظيم الدولة.
والمستوى الثاني مرتبطٌ بالشروط التي فرضتها "الدولة" من فصلٍ بين الجنسين، وغير ذلك من أشكال التشدّد، مما أعاق الكثير من الأنشطة التي كانت تمارس في المدينة. والمستوى الثالث يتمثل في مغادرة معظم ناشطي العمل المدنيّ إلى تركيا خوفاً على حياتهم".
وتطـــول قائمة المنظمــات التي أوقفت أنشطتها. ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، كما ذكر مصطفى: "مؤسسة اللؤلؤ المكنون، وهي مؤسسةٌ نسويةٌ تدعو إلى الارتقاء بالمرأة، وإبرازها كعنصرٍ فاعلٍ في المجتمع، وهذا ما يتنافى مع سياسة تنظيم الدولة في تعامله مع النساء. وكذلك مجموعة الحرائر، التي كانت تنفذ محاضراتٍ ومعارض فنية. وفريق أفق، الذي كان يقدّم حفلاتٍ ترفيهيةً للأطفال. وينسحب قرار إيقاف الأنشطة أيضاً على جمعيات أمية وشباب الميادين وأحرار الميادين واتحاد الطلبة الأحرار. ولكن ظلّ عددٌ من المنظمات يعمل بصمتٍ وفي شروطٍ صعبةٍ لا داعي لذكرها على وسائل الإعلام".

تجميد أنشطة الجمعيات يحرّك سخط الأهالي

ولم تكن المنظمات العاملة في الإغاثة أفضل حالاً، على حدّ تعبير أحمد درويش، الإداريّ السابق في إحدى الجمعيات الإغاثية في الميادين، الذي فوجئ -على حدّ تعبيره- بالشرط الذي وضعته "الدولة الإسلامية" على الجمعيات مقابل استمرار عملها، وهو تسليم نصف كمية الإغاثة للتنظيم ليوزّعه حسبما يشاء، مما أثار سخطاً إضافياً من الأهالي لأنه سبّب توقف العديد من الجمعيات عن العمل. وأبرزها الجمعية الخيرية الإسلامية، وهي من أشهر جمعيات الإغاثة في الميادين، وكان لها دورٌ كبيرٌ في مساعدة مئات العائلات المحتاجة في المدينة، ولم توقف أعمالها في أصعب الظروف، إذ اعتمدت في تمويلها على تبرّعات الأهالي الموسرين ومن ثمّ تنفق على العائلات المعدمة. وواصلت جمعيةٌ أخرى، هي حفظ النعمة، نشاطاتها بذات الطريقة، في حين عجزت جمعياتٌ أخرى عن الاستمرار، مثل جمعية زاد، التي وزّعت منذ أيامٍ آخر السلال الإغاثية في مستودعاتها وتوقفت عن العمل. ويفسّر الناشطون تراجع العمل الإغاثيّ في محافظة دير الزور ككلّ إلى قرارات تنظيم الدولة، أو ما اصطلح على تسميته بـ"شرط النصف"، أي أن تقدّم المنظمات نصف وارداتها إلى التنظيم، الذي لا يتورّع مقاتلوه، في مرّاتٍ كثيرةٍ، عن الاستيلاء على مستودعات بعض المنظمات بأعذارٍ واهيةٍ، كما حدث مع جمعية "أبو العلمين" وهي جمعيةٌ تعنى بخدمة المعوقين وتقدّم لهم مساعداتٍ خاصّة. وقلصت منظماتٌ أخرى أنشطتها إلى الحدّ الأدنى، مثل جمعيتي البرّ وأهل الأثر وغيرهما من المنظمات، وبحسب الواردات التي تركزت، وبشكلٍ رئيسيٍّ في الأسابيع الماضية، في ما يقدّمه المتبرّعون المحليون بعد توقف الدعم من المنظمات الخارجية.