من نتائج التكرير العشوائيّ للنفط انتشار مرض الربو

طفلة مصابة بضيق التنفس بسبب تلوث الهواء | أرشيف مشفى بقرص الميداني

د. سامي الحمد

دير الزور محافظةٌ غنيةٌ بالخيرات، ومن هذه الخيرات النفط. إلا أنه تحوّل إلى نقمةٍ في الآونة الأخيرة، نتيجة التكرير العشوائيّ والاستخدام غير المنضبط، ما أدّى إلى تلوّثٍ كبيرٍ في البيئة، فالغازات والدخان المنبعث تؤثر على كل الأحياء.

وسنعرّج هنا على الأمراض الصدريّة الناجمة عن التكرير، وتحديداً الربو، الذي عُرِّف قديماً وأطلق عليه اسم Asthma، وتعني اللهاث. وهو متلازمةٌ تنفسيةٌ تتميز بحدوث هجماتٍ متقطعةٍ من الزلة التنفسية المصوّتة (صوت أزيزٍ أو صفير). تنجم عن وجود فرط ارتكاسٍ مع التهابٍ قصبيٍّ نتيجة منبهاتٍ مختلفةٍ ومتعدّدة. تزول بشكلٍ عفويٍّ أو بالمعالجة.
وعُرِّف حديثاً بأنه اضطرابٌ التهابيٌّ مزمنٌ يصيب الطرق الهوائية، إذ تتضمّن الملامح النسيجية (تغيراتٍ في المخاطية التنفسية – توضّعات الكولاجين – وذمةً في الطرق الهوائية – تفعيل الخلايا البدنية – ارتشاحاً في الخلايا الالتهابية – ضخامةً في العضلات الملساء والغدد المخاطية). ويرجع هذا الالتهاب إلى فرط حساسية الطرق الهوائية، الذي يؤدّي إلى أن تصاحبَ تدفق الهواء أعراضٌ صدريةٌ تتضمّن هجماتٍ معاودةٍ من الأزيز، مع قصرٍ في التنفس، وسعالٍ في الليل والصباح الباكر خاصةً. ونوجز الحوادث المرضية في آليتين:
-1  فرط التهيـــــــــــج. وهو إما خَلقيٌّ وراثــيٌّ أو مــــن منشــأ مكتــسب.
-2  الالتهاب المزمن.

أسباب الربو

قسّم قديماً إلى داخليٍّ وخارجيّ المنشأ. أما حـــــديثاً فيقسم إلى:
-1  ربوٌ تحسّسيٌّ. سببه التعرّض لعاملٍ محددٍ (غبار الطلع – عثّ المنزل).
-2  ربوٌ إنتانيٌّ. سببه بؤرة إنتانية.
-3  ربوٌ دوائيٌّ. سببه استعمال بعض الأدوية، كالأسبيرين.
-3  ربوٌ مهنيٌّ. ربو الحلاقين وعمال الأفران.
-5  ربوٌ جهديٌّ.
-6  ربوٌ بيئيٌّ. وهو الأهم في موضوعنا. وينجم عن التلوّث الجوّي وتغير العوامل البيئية.
-7  ربوٌ نفسيٌّ. يعرض في الشدّات النفسية.
-8  ربوٌ داخليٌّ. سببه الاضطرابات الغدّية والهرمونية
-9   الربو مجهول السبب.
أما الربو القصبيّ فله عدّة أشكالٍ، منها:
-1  الربو الطفليّ.
-2  الربو الجان.
-3  الربو الرطب.
-4  الربو المترافق مع قصورٍ تنفسيّ.
-5  الربو المترافق مع ترفعٍ حروريٍّ وآفةٍ موصّفة شعاعياً.
-6  الربو المقاوم، أو ما يسمّى بالربو الصعب. وهو من الأشكال اللانموذجية للربو القصبيّ، إذ يكون مقاوماً للمعالجة ويؤدّي إلى نوعٍ من العجز الوظيفيّ والتعليميّ.
ويمكن إجمال أسباب استفحال هذا المرض بما يلي:
-1  سوء متابعة معالجة الربو.
-2  صعوبة الوصول إلى مناطق المعالجة والإسعاف.
-3  وجود عامل نفسيّ لدى المريض.
-4  التعرّض المتكرّر والشديد للمحسّسات.
-5  التلوث البيئيّ الشديد.
وجميع هذه الأسباب موجودة في الوقت الحاليّ في مجتمعنا؛ فالأدوية قليلة، يشكو مرضى الربو من صعوبةٍ بالغةٍ في تأمينها، وخاصةً الأدوية الإنشاقية (البخاخات). والتلوّث البيئيّ موجودٌ في مناطقنا بشدّةٍ نتيجة تكرير النفط. ومن خلال الزيارات الميدانية تبيّن تضاعف عدد المرضى الذين يشكون من مشاكل تنفسية، ففي مشفى بقرص الميداني لوحده، والذي يوجد في منطقةٍ تعاني من التلوّث، حدّثنا الممرّض أشرف، المسؤول في قسم الإسعاف، عن استقبال المشفى لعددٍ كبيرٍ من المرضى والمراجعين بحالاتٍ تنفسيّة، يبلغ في الوقت الحاليّ بين 7 – 10 حالاتٍ يومياً، محوّلين من عياداتٍ ومن أطباء خاصّين. والعدد في ازدياد.
بينما حدثنا الدكتور وسيم الحمدان عن حالات السعال المزمن والحالات الربوية التي تراجع العيادة، قائلاً: الأعداد مخيفة. حوالي عشر حالات يومياًً على الأقلّ تحتاج إلى جلسات الرذاذ. والاستجابة للمعالجة أبطأ، والأدوية أقلّ جدوى. لأن السبب – وهو التلوّث البيئيّ – موجودٌ وغير معالج، رغم المحاولات التي تمّت من قبل العديد من الجهات. فقد حاول المجلس المحليّ للمحافظة جاهداً، ووضع خططاً لحلّ هذه المشكلة، لكن دون جدوى، نتيجة انتشار عمليات التكرير بشكلٍ كبيرٍ ومخيفٍ للغاية.