من فتح الشام إلى تحريرها
تربح الجبهة وتمضي في أزمتها

أطلقت جبهة فتح الشام، في 23 من الشهر الفائت، سلسلة هجماتٍ ضد جيش المجاهدين في ريفي حلب وإدلب، لم تلبث أن تطورت لتطال ألوية صقور الشام وجيش الإسلام، ولم تتوقف إلا بولادة جسمٍ جديدٍ سمّي «هيئة تحرير الشام».

سبقت الهجوم حملةٌ دعائيةٌ اتهمت الفصائل المشاركة بمؤتمر الأستانة، المنعقد مؤخراً، بالتآمر ضد جبهة فتح الشام. وتداول مقاتلو الجبهة على نطاقٍ واسعٍ «معلوماتٍ» عن تجسّس جيش المجاهدين وفصائل أخرى لصالح التحالف الدوليّ، وإرشاد طائراته إلى مقرّات الجبهة وقادتها. وكثف شرعيون من الجبهة، جالوا على كتائب الجيش الحرّ الأخرى في ريف حلب الغربيّ حيث يتركز انتشار جيش المجاهدين، نصائحهم لهذه الكتائب بالوقوف على الحياد. ورغم إعلان قادةٍ من «المجاهدين» عزمهم التصدي لجبهة فتح الشام قبيل الهجوم، إلا أن سيطرتها الكاملة تقريباً على مقرّات الجيش ومستودعات سلاحه وذخيرته لم تستغرق أكثر من يومين، ودون رصاصةٍ واحدة. بالرغم من عديد «المجاهدين» بنحو ألفي مقاتلٍ تقريباً، خاضوا أشرس المعارك خلال ثلاث سنواتٍ ضد قوات الأسد، وضد تنظيم داعش في معارك طرده من حلب أول العام 2014، ما يدل على انخفاض الروح المعنوية واضطراب صفوفهم بعد خروجهم من مدينة حلب. في الساعات الأولى للهجوم روّج إعلاميو جبهة فتح الشام أنباءً كاذبةً عن استسلام «المجاهدين» وإعلان حل جيشهم وخسائرهم الفادحة التي ملأت الشوارع بالجثث، وصدّقها إعلاميون آخرون وشيوخٌ مستقلون وقادة، الأمر الذي لعب دوره في اشاعة «رعبٍ» تعتمده فتح الشام لتحقيق انتصاراتها. وراج في غرف الأخبار أيضاً نبأ إصابة قائدٍ محبوبٍ ومعتدلٍ في فتح الشام، هو أبو سعيد راس الحصن، باستهداف سيارته قرب سرمدا، لشدّ محبيه في صفوف الجبهة إلى المعركة.

وعرَضاً اتسعت المواجهات لتشمل ألوية صقور الشام، إذ عرقل حاجزٌ للصقور قرب مدينة كفرنبل في ريف إدلب مرور رتلٍ للجبهة، فانطلقت الهجمات والهجمات المضادة بين الطرفين في جبل الزاوية معقل الصقور. وأعلن قائدهم أبو عيسى الشيخ الحرب على الخوارج والبغاة، معتمداً على اتفاقٍ سابقٍ مع خمسة فصائل أخرى هي: حركة أحرار الشام، وجيش الإسلام، وجيش المجاهدين، وتجمع فاستقم كما أمرت، والجبهة الشامية، على الدفاع المشترك إن تعرض أيٌّ منها لعدوانٍ من أي طرف. وجاء إعلان الأحرار، وهم القوة الرئيسية في هذا التحالف، أنهم قوة فصلٍ وليسوا طرفاً في النزاع، ليحطم عزمه في مواجهة الجبهة ويدفعه إلى التراجع عن موقفه. ومكن موقع جيش الاسلام الحصين، أعلى جبل بابسقا قرب بلدة سرمدا، مقاتليه من الصمود والدفاع عن أنفسهم، حتى ولادة هيئة تحرير الشام، المخطط لها مسبقاً قبل المواجهات، وإعلان قائدها، هاشم الشيخ، وقف إطلاق النار.

ضمت هيئة تحرير الشام، إلى جانب الجبهة، كلاً من حركة نور الدين الزنكي، التي يقدر عدد مقاتليها بـ(2500) تقريباً -باستثناء مجموعةٍ منهم في مدينة اعزاز معظم عناصرها من بقايا لواء عاصفة الشمال- وجزءاً من جيش السنة بـ(300) مقاتل، يتحدر معظمهم من مدينة حمص، ولواء الحق (200) مقاتلٍ المتمركز في بلدة تفتناز بريف إدلب، وجبهة أنصار الدين أو ما تبقى منها بـ(200) مقاتلٍ تقريباً. وإلى جانب الجماعات السابقة، يعد مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني ومجموعات الأوزبك والقوقاز أعضاء عمليين في الهيئة أو حلفاء دائمين لها على الأقل. وجاء الأمير السابق لحركة أحرار الشام، أبو جابر الشيخ، وقائدها العسكريّ السابق أبو صالح الطحان، بحوالي (1500-1000) مقاتلٍ منشقين عن الأحرار. فيكون مجموع ما أضيف من مقاتلين إلى فتح الشام لتشكل «هيئة التحرير» (5000) مقاتلٍ تقريباً.

لن تجعل هذه الأرقام الحركة الوليدة في المرتبة الأولى عددياً بين الفصائل، لكنها ستجعلها حتماً القوة الأكثر تأثيراً، لا سيما بعد أن تنجح الجبهة في صبغ المنضمين الجدد إليها بطابعها الخاص، وبعد أن تطلق عملاً عسكرياً جديداً ضد قوات الأسد يرجح أن يكون في وقتٍ قريب، لمحو صورتها «الباغية» (التي تكاد أن تمحى منذ الآن في أوساطٍ شعبيةٍ تريد وحدة الفصائل بأي طريقة).

ربحت فتح الشام في جولتها هذه، لكنه ربحٌ مؤقت، ستبدّده أزمتها مع العالم الذي سيعدّها قاعدةً مهما تغير الاسم وتوحدت مع آخرين، وتبدّده حدة الاستقطاب والتحولات القادمة في التحالف المنافس، رغم دوافع الاضطرار التي أسهمت في نشوئه.