في جنازةٍ كبيرةٍ تفرضها المشاركة الرسمية لمسؤولين من نظام الأسد في محافظة طرطوس، شيّع، قبل ثلاثة أسابيع، الأمين العام لحزب «الاتحاد العربي الديمقراطي»، غسان أحمد عثمان، في مدينته بانياس. وإلى جانب المسؤولين المحليين ظهر بين المشيّعين شيوخٌ وكهولٌ من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وجدوا في وفاة عثمان فرصةً للقيام بعملٍ ما، يبدد الملل في أيامهم الخالية تقريباً.

ذكّرت وفاة عثمان بظاهرةٍ مندثرةٍ أو تكاد من ظواهر السياسة لدى السوريين، هي الناصرية والمنتمون إليها، بتحولاتهم الفكرية والتنظيمية التي انطلقت من تمجيد دكتاتورٍ وانتهت بتمجيد دكتاتورٍ آخر. عاش غسان أحمد عثمان 83 عاماً، قضى النصف الأول منها تقريباً مأخوذاً بجمال عبد الناصر، والنصف الثاني مأخوذاً بحافظ الأسد. وخلال هذه السنين الطويلة من «نضال» الرجل لم يجرب الخوض في مغامرات. ولولا لحظة طيشٍ أيام شبابه رفض فيها إزالة صورة عبد الناصر من مكتبه في بلدية بانياس، ثم اعتقاله لبضعة أيام، لخلا تاريخه السياسيّ من التضحية. فقد كان دوماً إلى جانب الطرف المتغلب في أيّ صراع، فأيّد، مثل غيره من الناصريين، انقلاب حزب البعث في آذار 1963، ثم انقلاب العسكريين على المدنيين في هذا الحزب عام 1966، ثم انقلاب حافظ الأسد على الجميع. وحين عصف الصراع بصفوف حزبه «الاتحاد الاشتراكي العربي»، عام 1972، على خلفية المادة الثامنة من الدستور السوريّ المقترح آنذاك، التي تقضي باحتكار حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع، كان عثمان في زمرة من ظلوا من الاتحاد في «الجبهة الوطنية التقدمية»، في حين خرج رئيس الحزب جمال الأتاسي واتحاديون كثر منها احتجاجاً وتحولوا إلى معارضين.

بقليلٍ من الجهد والتخطيط من جانب الأسد تتالت الانشقاقات في صفوف الأحزاب الناصرية وغيرها. ووقف عثمان دوماً مع الجناح الأكثر موالاةً للأسد في كلّ انشقاقٍ أو تنافس، فكان مع فوزي كيالي ضد الأتاسي، ثم مع إسماعيل قاضي ضد كيالي، إلى أن تفوق صفوان قدسي على منافسيه بفضل وشايته بهم بتهمة «الإساءة للعلويين»، فاستتبت له الأمانة العامة في اتحاده الاشتراكي منذ العام 1983 وحتى اليوم. ورغم علاقته اللصيقة بأجهزة المخابرات لم ينجح قدسي في الحفاظ على تماسك حزبه، فخرج من عباءته الوزير الجبهويّ السابق حكمت بيازيد الذي أعلن -من حديقةٍ عامةٍ في القرداحة- تأسيس تيار «الأسدية» بمنطلقٍ نظريٍّ وحيدٍ هو أن «الاستفتاء الوحيد في تاريخ سورية هو الاستفتاء على حافظ الأسد». كما خرج الوزير الجبهويّ السابق أيضاً، يوسف جعيداني، مع غسان أحمد عثمان وشكلا «الاتحاد العربي الديمقراطي الناصري»، دون أن يفلحا في إلحاق حزبهما بالجبهة في عهد حافظ الأسد. وبعد وفاته، ومع تولي عثمان الأمانة العامة وحذف كلمة «الناصري» من الاسم، أضيف العربي الديمقراطي إلى أحزاب الجبهة، ومن حينها لم يجد عثمان ما يسعى إليه.

4hama