من إنجازات المجلس المحليّ: الخبز مجاناً في دير الزور

نجح مجلس مدينة دير الزور المحليّ في تأمين الخبز مجاناً للسكان، مما أسهم إلى حدٍّ كبيرٍ في تخفيف معاناتهم اليومية. تستحق هذه التجربة الاهتمام والرعاية من قبل المؤسسات والهيئات الداعمة.

تتسع دائرة الحرب التي يشنّها النظام على معارضيه، باستهدافه المخابز في عدة مناطق خارجةٍ عن سيطرته، إضافةً إلى حصارها ومنع دخول المواد الغذائية إليها، مما يعطي فكرةً عن طبيعة الحرب التي باتت تستهدف سبل الحياة ومقوماتها، ولهذا كانت المعاناة كبيرة. أدّى أسلوب النظام هذا إلى شحٍّ في الخبز تعاني منه كافة المناطق المحرّرة، حيث يصعب تأمين مادة الطحين نظراً لانحسار المساحات المزروعة بالقمح نتيجة قصف المناطق الزراعية ونزوح المزارعين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وفقده في كثيرٍ من الأحيان. وإن توافر الطحين فصعوبة المواصلات تقف عائقاً أمام تأمينه، إضافةً إلى جشع بعض التجار.
لم تسلم مخابز دير الزور من القصف مما فاقم من أزمة الخبز في المدينة، فقامت بعض المنظمات الإغاثية بإعادة تأهيل أحد الأفران الآلية المدمّرة، والتناوب على إنتاج مادة الخبز وبيعه بأسعارٍ مدعومةٍ إلى حدٍّ ما. وبالرغم من أن هذا الإجراء ساعد الأهالي المنكوبين، إلا أنه ظلّ عاجزاً عن كفايتهم، وخصوصاً مع توافد أعدادٍ كبيرةٍ من العائلات إلى المدينة، ما أدّى إلى ارتفاع الطلب على الخبز، مع ندرة الطحين في الأسواق وصعوبة تأمينه. فقام المجلس المحليّ بإجراء دراسةٍ ميدانيةٍ لأعداد الموجودين في المدينة واحتياجاتهم الغذائية، ودراسة واقع المخابز التي تديرها المنظمات الإغاثية والمخابز الأهلية، وأسعار الخبز في السوق. وعلى أثر تلك الدراسة قام المجلس بإعادة تأهيل أحد المخابز، ثم بدأ بتوزيع الخبز مجاناً على الأهالي والمشافي الميدانية. لكن الخطورة الناجمة عن تجمّع الأهالي أمام المخابز لساعاتٍ طويلةٍ حملت المجلس على اتخاذ إجراءاتٍ تلائم واقع القصف، فعمل على افتتاح مراكز لتوزيع الخبز في الأحياء.
وأبدى الكثير من المدنيين ارتياحاً لطريقة توزيع الخبز عن طريق هذه المراكز، مما جعل تأمين الخبز أكثر أماناً من ذي قبل، حين كانوا يضطرّون إلى الذهاب أو إرسال أبنائهم إلى الأفران مباشرةً. لكن العديد من العوائل تشتكي قلة الحصّة المخصّصة عن احتياجهم، مما جعلهم يضطرّون إلى شراء الفارق من السوق المحلية بأسعارٍ مرتفعة. وكثيرٌ من العوائل ليست لديها القدرة الشرائية اللازمة.
في لقائنا مع أحد المسؤولين في المنظمات الإغاثية العاملة على تأمين مادة الخبز، أفادنا بأن هذه المنظمات تقوم بدعم الخبز حسب استطاعتها، وخصوصاً بعد انقطاع الطرق بسبب العمليات العسكرية، وبالتالي عدم وصول الطحين إلى المدينة. وبما أن إمكانيات دعم الخبز بشكلٍ كاملٍ غير متوافرة لديها، تقوم المنظمات بتأمين الطحين اللازم فقط. أما السعر المخصّص لربطة الخبز المكوّنة من 8 أرغفة، والبالغ 50 ل. س؛ فهو لتغطية تكاليف الوقود وأجور العاملين في الأفران فقط.
أما رئيس المكتب الإغاثيّ في المجلس المحليّ فقد قال: يسعى المجلس جاهداً لدعم الخبز رغم كل الصعوبات التي تقف حائلاً دون ذلك، ومنها انقطاع الطرق وعدم وصول السلال الغذائية إلى المدينة، إضافةً إلى انخفاض استطاعة المطاحن الخاصة عن تأمين الكميات المطلوبة، مما أفقد المجلس إمكانية تخزين كمياتٍ استراتيجيةٍ من الطحين، وكذلك انقطاع المياه المستمرّ بسبب القصف، وانقطاع التيار الكهربائي. لكن، رغم ذلك، يعمل المجلس بطاقته القصوى لتأمين هذه المادة الضرورية. بالإضافة إلى أن افتتاح مراكز توزيع الخبز قد قلل من الخطورة الناجمة عن وقوف الأهالي أمام الأفران، وذلك من خلال 11 مركزاً منتشرةً في الأحياء، توزّع ربطات الخبز مجاناً، ويقوم الأهالي بالتوافد إلى هذه المراكز خلال دوامها (8-11 صباحاً) ليأخذوا حصتهم. وتمّ تنظيم عملية التوزيع من خلال بطاقةٍ تحوي على بياناتٍ باسم الحيّ والعائلة وعدد الأفراد، مجدولةٍ بأيام الأسبوع، ليقوم الموزّع بوضع إشارةٍ على البطاقة. وعبر هذه الخطة قام المجلس أيضاً بتأمين فرص عملٍ للعديد من أبناء المدينة برواتب مقبولة.
لا يواجه الثائرون حرباً عسكريةً فقط، بل حرباً أخرى من الحصار والتجويع. لكن عزيمة السوريين تدفعهم إلى ابتكار أساليب جديدةٍ للحياة من رحم معاناتهم، ليثبتوا للعالم شرعية قضيتهم وأحقيتها، وأن رحيل نظام الأسد شرطٌ ضروريٌّ للحياة عموماً، ناهيك عن السياسة.