معارك دير الزور الأخيرة والإعلام

دون رصد المتفاعلين مع المعارك الأخيرة يستحيل رصد الهجوم الذي شنّه تنظيم الدولة الإسلامية على مواقع النظام في دير الزور؛ بين 14 و18 من الشهر المنصرم، في ضوء عدم وجود مراسلين حربيين مستقلين يستطيعون نقل ما يجري.

كرة الشائعات المتدحرجة

ينقل المراسلون الأحاديث الدائرة حول المعارك مما يشيعه مقاتلون في التنظيم بين الأهالي، ويعتمد إعلاميون على صفحاتٍ شخصيةٍ أو عامةٍ يديرها مبايعون يعملون في الدواوين المدنية كالزكاة والخدمات، أو عن طريق العلاقات الاجتماعية التي تربطهم بهم. وبطبيعة الحال تخضع تلك الأخبار للمبالغة والتحليل والرغبات، في جوٍّ عامٍّ مليءٍ بالخوف والحقد والأمل والتضامن والترقب، تسيطر عليه رغبةٌ في التخلص من النظام، أو قضائه على التنظيم، أو بقاء الأوضاع على ما هي عليه. وبذلك تصل الأخبار مشوشةً إلى الصفحات الإخبارية والصحف ومراكز البحوث، التي تضعها بدورها ضمن إطار خسائر التنظيم في الموصل والرقة وتقدمه في تدمر، ليصل الأمر في النهاية إلى «احتمال تسليم» و«تكتيكاتٍ جديدة» و«غنائم كبيرة» و«حشودٍ ضخمة» وغيرها من العناوين.

وقفةٌ هادئةٌ مع الأخبار

استأنفت الأمم المتحدة نهاية الشهر المنصرم إلقاء المساعدات لأحياء المدينة الخاضعة للنظام في وقت استعاد الأخير فيه زمام المبادرة في المعارك، وذلك بعد إعلان تعليق إلقاء المساعدات لأسبابٍ أمنيةٍ في أول أيام الهجوم. في تلك الفترة طالب إعلاميون تابعون للتنظيم «بتقوى الله» في نقل الأخبار، بينما أشاد آخرون منهم بوكالات أنباءٍ وصفحاتٍ متحمّسة، لمساعدتها لهم في نقل الأحداث قبل أن تقع، أو جعل هدف الهجوم النهائيّ المفترض واقعاً على الأرض، أو تبني الأخبار أو ابتكارها، كمقتل مسؤولي وقادة النظام مثل المحافظ محمد سمرة والعميد عصام زهر الدين. حتى وصل الأمر إلى التشفي بالمدنيين الخاضعين للنظام، مع توقع مذابح سيرتكبها التنظيم في حقهم، رغم أنه أصدر بياناً منذ سنةٍ ونصفٍ استثناهم فيه من الحرب، فضلاً عن الكثير من موظفي الدوائر الحكومية، بمجرّد التزام بيوتهم، في حال اقتحم الأحياء التي يقطنون فيها.

وكالة أعماق

بطبيعة الحال ستحتفل وكالة أعماق التابعة للتنظيم بأيّ انتصارٍ يحرزه، رغم أن عناصر مشاركةً في المعارك تتكلم عن اللحظات التي يختلسها الإعلاميون المبايعون على عجلٍ بعد أيّ تقدم، حتى لو لم يكتب له الاستمرار سوى لحظات. وقد واكبت أعماق هجوم التنظيم بأخبارها من 14 حتى 18 كانون الثاني، وتحدثت فيها عن (تدمير دبابةٍ وعربة شيلكا ومدفعٍ عيار 57 وحافلةٍ محملةٍ بالجنود و3 سياراتٍ أخرى، وإطباق الحصار على المطار و4 أحياء قريبةٍ منه وعزلها عن باقي الأحياء، والاستيلاء على مكابس القرميد ومشروع الجرية وجبل العمال، والسيطرة على مبنى الكهرباء ورحبة دبابات، وبثت فيديو للسيطرة على مشفى ميداني) ثم خبرين متأخرين في 20 و24 من الشهر نفسه حول (تدمير دبابةٍ في أطراف المقابر، ومدفعين رشاشين في اللواء 137).

المعركة نقلاً عن مشاركين فيها

تكلمت «عين المدينة» في عددٍ قديمٍ عن طبيعة المعارك التي يخوضها التنظيم في دير الزور. ولا يخرج الهجوم الأخير عنها من جهة استعمال التمويه والمفخخات والقصف باتجاه مناطق سيطرة النظام والمجموعات الصغيرة من الانغماسيين والمشاغلة وانتشار نقاط الاشتباك وتشتتها، إلا أن الهجوم الأساسيّ اعتمد محوراً وحيداً في جبل العمال، وهو مجموعة تلالٍ موازيةٍ للنهر من الشرق إلى الغرب اخترقها التنظيم من ثلاث نقاط، عبر 350 مقاتلاً استقدمهم من خارج المدينة:

النقطة الأولى من الشرق مقابل كلية التربية: تسلل إليها عناصره من النقطة الثانية عبر التلال، شرقاً باتجاه مكابس القرميد ومرآب الخدمات وبعض القطع العسكرية المحدثة بين تلك التلال. لكن المهاجمين لم يستطيعوا تأمين خطوط إمدادٍ للمتسللين، ثم فقدوا الاتصال بهم.

الثانية غرباً: من وادٍ بين التلال جنوب حيّ العمال، كان يتسلل إليها عناصر الجيش الحرّ والمصورون، ومنها تسلل عناصر التنظيم إلى النقطة الأولى، ويسدّها جيش النظام بمتاريس وسواتر ترابيةٍ لحماية طريقه العسكريّ الواصل بين الأحياء شرقي المدينة وغربيها، ومنه يؤمّن الإمداد إلى المطار العسكريّ. وما زال التنظيم يتحصن في نقاطٍ يقطع منها -في فتراتٍ متقطعة- ذلك الطريق نارياً.

الثالثة خلف كراج البولمان: عبر فتحةٍ بين التلال جنوب حيّ العرفي، استعملها الأهالي في الحرب للتنقل بين مناطق الحرّ والنظام، واستعملها مقاتلو الطرفين في عمليات قنصٍ وقصفٍ خاطفة. وما زال عناصر التنظيم يملكون فيها بعض النقاط بفعل تضاريسها التي تؤمّن لهم الحماية رغم القصف العنيف.

بالتوازي مع ذلك نفذ التنظيم بعض الاقتحامات والاشتباكات الجريئة بالاعتماد على جيوبٍ متقدمةٍ كان قد استولى عليها في معارك سابقة، كنقاطٍ في جبل ثردة منذ 6 شهور. لتبدو، مع الهجوم الأخير، قضماً بطيئاً للمناطق التي بحوزة النظام، بطريقة عزلها عن بعضها والاستفراد بكلٍّ منها على حدة. على أن المعارك التي استأنفها النظام والميليشيات التابعة له بعد توقف هجوم التنظيم، بمساعدة الطيران الروسيّ، توحي بإدراك النظام خطر هذه الجيوب.