مصافي النفط الكهربائية... سماء دير الزور ترحّب بك

جانب من المصفاة | ريف دير الزور الشرقي | عدسة خليل

صراعٌ طويلٌ بين الطيور في سماء ريف دير الزور ودخان الحرّاقات، أدّى إلى انسحاب هذه الكائنات مكرهةً من فضائنا. ولكن هناك ما يبشّر اليوم بعودتها.

مصافي النفط الكهربائية ظاهرةٌ بدأت تأخذ من اهتمام الناس حيزاً يتناسب مع الحيز التي تأخذه على أرض الواقع، وهي المصافي التي تعرف مجازاً بـ"صديقة البيئة"، تلك التي تعمل على تكرير مادة النفط الخام وتحويلها إلى مشتقاته القابلة للاستخدام والضرورية لاستمرار الحياة. "عين المدينة" التقت بالشاب مصطفى عبود، وهو مهندس بترولٍ فقد وظيفته، واتجه للعمل في تكرير النفط بوسائل أكثر أمناً مما اصطلح على تسميته بالحرّاقات، فحدثنا عن مصافي النفط الكهربائية وأهميتها ودواعي انتشارها قائلاً: إن السبب الأساسيّ لاتجاه البعض نحو المصافي الكهربائية كان الفتاوى التي صدرت من بعض رجال الدين بتحريم العمل في الحرّاقات لما لها من تأثيرٍ قاتلٍ على البيئة عموماً. هذه الفتاوى، بالإضافة إلى انتشار الوعي البيئيّ، أسهمت في توجه البعض نحو هذه المصافي، إذ إن الدخان الذي تبعثه هو حوالي 1% من ذلك المنبعث من الحرّاقات المنتشرة في ريف دير الزور. وقد انتشرت مصافي النفط الكهربائية على الرغم من أن الحرّاقات أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية لأسبابٍ عديدة. والفارق يبدأ من التكلفة، فتكلفة أصغر حجمٍ للحرّاقة هو بحدود 20 ألف ليرة، أما المصفاة الكهربائية فأصغر حجمٍ لها تكلفته تقارب 300 ألف ليرة. والحرّاقة التي تتسع لعشرة براميل نفطٍ خامٍ يوضع فيها 8 براميل وتنتج 7 براميل من مشتقات النفط، بينما تحتاج المصفاة إلى 8 براميل توضع فيها بشكلٍ دائمٍ كي لا يتأذى بيت النار. بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى مولدةٍ كهربائيةٍ ومحرّكٍ لاستجرار المياه (دينمو)، وهما لا يلزمان في الحرّاقة. كما أن أعطال المصافي مكلفةٌ جداً مقارنةً بالحرّاقة ذات الثمن الزهيد، والتي يمكن استبدالها ببساطةٍ في حال تعطلت. ومن جهةٍ أخرى فإن الخطر الأكبر الذي يمكن أن نواجهه في المصفاة هو ثقب بيت النار، الذي قد يؤدّي إلى انفجار الحرّاقة وخسارتها بالكامل.
وحول آلية عملها التقينا بالشاب معاذ الناشد، أحد مالكي تلك المصافي، الذي قال: تتألف المصفاة الكهربائية من مرجل، وهو خزانٌ كبيرٌ توضع فيه المادة الخام. وهذا الخزان له بيت نارٍ توضع عليه قطعةٌ تسمّى "شودير" تعطي لهباً داخل بيت النار، بحيث يسخن النفط الخام حتى يصل إلى درجة الغليان. وهذه العملية تستغرق ساعاتٍ طويلةً حتى تتمّ بشكلٍ كامل. وحين يصل النفط إلى درجة الغليان يتحوّل إلى بخار، إذ يتبخر أولاً البنزين بدرجة حرارةٍ بين 150-160 درجة مئوية، ثم مادة الكاز بين 150-200 درجة، ويليهما المازوت 200-390 درجة، وبعد ذلك الشحم.
يمرّ هذا البخار عبر أنابيب يسكب فوقها الماء، وهنا يتكاثف البخار ويتحول إلى مادةٍ سائلةٍ يتم تفريغها من الأنابيب وتعبئتها وطرحها للبيع في السوق المحلية. المادة الوحيدة التي تبقى بعد ذلك هي الشحم وهذه لا سوق لها عندنا ولكننا نبيعها لتجارٍ من خارج المحافظة ولا نعرف كيف يصرفونها. في الحرّاقات يعاد استخدام هذه المادة في عملية الاشتعال.
3

وحالياً يمكن القول إن إنتاج المحافظة من مشتقات النفط نصفان؛ الأول من الحرّاقات والنصف الثاني من المصافي الكهربائية، التي يتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم، مما يؤشر إلى اقتراب الخلاص من الحرّاقات البدائية وما كانت تسببه من تلوثٍ في البيئة بشكلٍ عام. وهناك توجهٌ الآن إلى المصافي الكهربائية ذات السعة العالية من 200 إلى 400 برميل، مثل مصفاة الشعيبي، والتي تعدّ من أولى المصافي الضخمة المنتجة في المحافظة. كما بدأت العديد من الكتائب المسلحة بالتوجه إلى استثمار الآبار التي تسيطر عليها عن طريق مصافي نفطٍ عملاقة. أي أن عامة الناس، إن لم يتمكنوا من الاستفادة من عائدات النفط، فلن يقتلهم دخانه على الأقلّ.