مجموعة فاغنر الروسية وإرسال المرتزقة إلى سورية

منذ أن نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن شركة عسكرية روسية خاصة، يطلق عليها اسم «فاغنر»، تقاتل إلى جانب قوات الأسد، ذاع الخبر في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أنه لا توجد بيانات دقيقة عن هيكلية هذه المجموعة، ولا عن عددها، ولا عن قياداتها، ولا عن مصادر تمويلها، ولا عن مهامها العسكرية، إلا أنه يمكن تتبع انطلاق أنشطتها في احتلال شبه جزيرة القرم، مروراً بمشاركتها في أحداث دونباس الأوكرانية، إلى عملها في سورية.

«مجموعة فاغنر» هو الاسم غير الرسمي للشركة العسكرية الخاصة «فاغنر»، التي تجند المرتزقة الروس وتدربهم ثم ترسلهم للقتال في سورية. وهي أقرب إلى التشكيل المسلح الذي يؤدي مهام الجيش نفسها، لكنه منظم وممول من أفراد وليس من الدولة. غالباً ما تُستخدام «فاغنر» كوسيلة لتنفيذ مهام عسكرية قذرة في النزاعات المحلية والإقليمية، وكقوة بديلة للحفاظ على مكاسب روسيا في سورية، ولا سيما في الوصول إلى مرافق البنية التحتية لإنتاج النفط والغاز.

تأسست المجموعة على يد مجموعة من الضباط المتقاعدين من مختلف صنوف التشكيلات العسكرية الروسية، وتوجد قاعدة تدريبها في منطقة كراسنودار (مركز مولكينو). تم تشكيلها عام 2015، رغم أن فلاديمير بوتين قد دعم مبدأ إنشائها عام 2012، بعدما رأى فيها «أداة نفوذ في تحقيق المصالح القومية الروسية دون مشاركة مباشرة من الدولة».

يعد «الفيلق السلافي» نموذجاً أولياً لـ«مجموعة فاغنر»، وقد قاتل في سورية أيضاً، منذ عام 2013، لكنه لوحق في روسيا بتهمة الارتزاق وتم حله. وحسب وسائل الإعلام فإن العقيد ديمتري أوتكين، ضابط المخابرات العسكرية السابق، هو قائد «فاغنر»، والذي كان حتى عام 2013 قائداً للوحدة 700 التابعة للواء المهام الخاصة الثاني ضمن هيئة الأركان العامة، رغم نفي الكاتب ديمتري سيكورسكي، المقرب من الكرملين، تسلم أوتكين هذه الرتبة ضمن الجيش الروسي، في مقال له على موقع «الاقتصاد اليوم»: «وفقاً لوزارة الدفاع في الاتحاد الروسي، وغيرها من الأدلة غير المباشرة، فإن مثل هذا الضابط لم يكن أبداً في هذا التشكيل من الجيش، سواء في القيادة أو في أي مراكز أخرى».

بدأت «فاغنر» أولى عملياتها بنزع سلاح الوحدات الأوكرانية في شبه جزيرة القرم عام 2014. ثم قدمت مساعدات وخبرات كبيرة في تنظيم القوات المسلحة بإقليم دونباس ضد سلطات كييف الشرعية. انتقلت المجموعة إلى سورية في تشرين الأول 2015، حيث تلقت أولى خسائرها البشرية أثناء قصف إحدى القواعد العسكرية الروسية بالهاون. شارك عناصر المجموعة في استعادة مدينة تدمر من داعش في آذار 2016، وفي السيطرة على عاصمة الشمال حلب أواخر العام نفسه.

قدر عدد المجموعة عند تأسيسها بحوالي 400 شخص، وأصبح 1600 عام 2016، ومع بداية عام 2017 وصل إلى 2500 مرتزق تدفع رواتبهم نقداً. فيتلقى العنصر أثناء الخدمة في أراضي روسيا 80-100 ألف روبل شهرياً (1400- 1750 دولار أميركي تقريباً)، أما في سورية فيأخذ ضعفي هذا المبلغ، إضافة إلى مهمات القتال والتعويضات. وفي حال الموت يُدفع للأسرة ما يصل إلى 5 ملايين روبل (أقل بقليل من تسعة آلاف دولار)، بشرط عدم الكشف عن مكان الوفاة.

ووفقاً لموقع Fontanka.ru فإن «مجموعة فاغنر» فقدت حوالي 32 شخصاً، وأصيب 80 آخرون بجروح خطيرة، أثناء القتال في سورية بين خريف 2015 وربيع 2016. إلا أن بعض التقارير الإعلامية ذكرت معلومات حول ازدياد عدد قتلى المجموعة بشكل واضح في النصف الأول من عام 2017، إذ غالباً ما تقع الخسائر الرئيسية للروس في سورية على «مجموعة فاغنر»، لأنها تعد الجزء الرئيس من القوات البرية في المناطق الساخنة. كذلك وقع على عناصر المجموعة اختبار أحدث الأسلحة، على حد تعبير وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

ووفقاً لمعلومات شركة «سبارك-إنترفاكس» فإن جميع الأموال المخصصة للمجموعة (بغض النظر عن الأسلحة والذخائر) تقدم من «رجال أعمال رفيعي المستوى» تبقى أسماؤهم في سرية تامة. المعروف فقط أمين الصندوق يفجيني بريغوزين الذي يدفع مصاريف المجموعة.

من المثير للاهتمام أيضاً أن قصة «مجموعة فاغنر» تحولت إلى أسطورة، إذ قُدّمت للمجتمع الروسي كنوع من «روبن هود» روسي يقوم بأعمال «جيدة» في سورية، على الرغم من الأدلة الدامغة التي تؤكد قيامها بعمليات تعذيب ومجازر حرب وإبادة. لا سيما بعد نشر شريط فيديو، في 30 حزيران 2017، يُظهر عدداً من مرتزقة «فاغنر» وهم يعذبون شاباً سورياً، ويُسمع فيه بوضوح الكلام والموسيقى الروسيان، ويظهر على كتف أحد المرتزقة اقتباس باللغة الروسية يقول: «أنا فقط سأؤلمك جداً، جداً».