لماذا لا يفاجئ خذلان مجلس الأمن لمدينة حلب أحداً

دراغانا كورين*
موقع
newsdeeply
21 تشرين الأول 2016
ترجمة مأمون حلبي

أنا متأكدةٌ تقريباً أني شاهدت لافروف، وزير الخارجية الروسيّ، في مكتبةٍ في مانهاتن هذا اليوم. كنت أريد أن أمشي إليه وأنعته بمجرم الحرب والوحش، وأقول لكل شخصٍ حولنا إنه كان الرجل الذي يذبح المدنيين العُزَّل في حلب. لكن بعد نصف ساعةٍ من تتبعه لم أستطع أن أحدد إن كان ذاك الشخص هو لافروف بالفعل.

فتحت على صفحةٍ في ويكيبيديا عليها صورته. قرأت في هذه الصفحة أن لافروف كان، أثناء دراسته الجامعية، ناشطاً في مجال المسرح. يليق به هذا الأمر، لأن اجتماعات مجلس الأمن كثيراً ما تعطي انطباعاً وكأنك تشاهد عرضاً مسرحياً تم إنتاجه بشكلٍ جيد. المناقشات الحقيقية لا تحدث في قاعة مجلس الأمن، وإنما خلف أبوابٍ مغلقةٍ في قاعة المؤتمرات المجاورة. أحياناً هناك صراخٌ وشتائم وتهديدات، حتى أني سمعت بأشياء يتمّ رميها على بعضهم. قبل أن يخرج ممثلو الدول يعرفون بالضبط ما سيقوله كل واحدٍ منهم، ومن سيستخدم الفيتو، ومن الذي سيمثل دور المصدوم من سماع الفيتو.

لم تَعُد حلب تخصّ سوريا. إنها الآن لعبةٌ سياسيةٌ بين أُناسٍ يحتمل جداً أن أقدامهم لم تطأ المدينة أبداً. بشار الأسد اعتبر هذه اللعبة «نزاعاً أميركياً روسياً»، مقارناً سوريا بالنزاعات التي حصلت في فيتنام وكوريا. بالنسبة إلى روسيا، حلب هي فرصةٌ لتمارس قوتها، والروس لن يتوقفوا عن تدميرها إلى أن لا يتبقى شيءٌ يمكن تدميره، أو إلى أن يذعن الحلف الغربيّ، فتقايض حلب بمكسبٍ جيوبولوتيكيٍّ آخر.

هناك عتباتٌ في القانون الإنسانيّ الدوليّ تمّ تجاوزها في هذا النزاع. ضرب قرىً بالأسلحة الكيماوية، ومهاجمة القوافل الإغاثية، والاستهداف الممنهج للمشافي؛ كل هذه خطوطٌ في الرمال عندما يتعلق الأمر بالتدخل الإنسانيّ الذي أعاد المجتمع الدولي رسمه.

بعد الحرب في البوسنة زعمت جوقة قادة العالم: «لو كنا وقتذاك نعرف ما نعرفه الآن». بقيت روسيا هادئةً بخصوص تلك المسألة، طبعاً، لأنها كانت تدعم القوى الصربية أثناء الحرب بتزويدها بالسلاح واستخدام الفيتو حول أيّ أمرٍ يعبر قاعة مجلس الأمن. روسيا، بالمجمل، استخدمت الفيتو ضد ثلاثة قراراتٍ تتعلق بالبوسنة وخمسة قراراتٍ تتعلق بسوريا حتى هذا التاريخ.

الصحفية جانين دي جيوفاني أعادت إلى الذاكرة إقامتها في البوسنة، مع صحفيين آخرين، باعتباره مسؤوليةً أخلاقيةً أن تبث الدمار وجرائم الحرب التي كانت تجري هناك. إنه لأمرٌ يفطر القلب رؤية التغطية الواسعة التي كانت تلقاها الحرب على شبكة السي إن إن، في حين أن أولئك الذين في السلطة كانت لديهم الوقاحة في ما بعد لأن ينظروا في أعيننا ويقولوا: «لم نستطع أن نتصرف. لم نكن نعرف أن هذا كان يحصل». كانت تلك حجةً ضعيفةً في حينها، في أفضل الأحوال، وحجةً مستحيلةً الآن، مع وجود إمكانية البث الذاتيّ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ. لا يحتاج السوريون إلى شبكة السي إن إن أو إلى وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى ليظهروا ما يحدث حولهم. لقد وجهوا كاميرات هواتفهم إلى صفوفٍ كثيرةٍ لأجسادٍ صغيرةٍ ميتةٍ دون أن تظهر عليها آثار جروح. حصل ذلك بعد الهجوم بغاز الأعصاب عام 2013. ونشروا فيديوهاتٍ لفتيانٍ صغارٍ استبد بهم الجوع، وقد غارت أعينهم، يتوسلون المساعدة في مضايا. لقد صوروا عمران دقنيش المدمّى والمذعور قابعاً في سيارة إسعافٍ يمسح الدم الموجود على وجهه. لا يمكن مسح هذه الصور من الذاكرة. ما يقلقني هو أن الغرب قد استنفد ذرائعه، وفي النهاية سيتحتم عليه أن يعترف أن المساعدة لن تأتي أبداً لأن حياة أولئك الناس لا تستحق الإنقاذ.

إننا مجرد بيادق، وهذا حال أهالي حلب. إن كان ثمة شيءٌ أستطيع قوله لهم، وهذا ليس من باب التشاؤم، وإنما من باب الخبرة: لا تعلقوا أي أملٍ على محادثات السلام هذه أو على أيّ قرارات، لأنها لم تعد تتعلق بكم. إن القول إنه على الحلبيين أن يتعلقوا بالأمل هو قولٌ مخادع.

 

* لاجئةٌ من الحرب البوسنية. عملت في وقتٍ سابق مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومع منظمة اليونيسيف.