فيلم ”لآخر العمر“.. كلاشنكوف نحو الخرائب

تصوير فيلم لآخر العمر - سانا

تشهد عدة مناطق مدمّرة وفارغة من سكانها في مدينة دمشق وريفها هذه الأيام توافد معدات تصوير و"مسلحين" باللباس العسكري النظامي، وآخرين بزيّ "الجماعات المسلّحة". ثمة أيضاً، بين ركام البيوت والأحياء الممسوحة عن الخريطة، "مدنيون" و"صحفيون" سيتعرضون للاختطاف والتكميم والتطميش على يد أعداء الوطن، وسينتظرون "الأبطال البواسل" اللاهفين لإنقاذهم من براثن الغدر والخيانة. 

هذه ليست معركة عسكرية على تخوم الغوطة يقودها سهيل الحسن ويُشرف على تصديرها إلى المشاهدين شادي حلوة، بموسيقا في الخلفية ترفع منسوب الأدرينالين لدى المشاهد التوّاق لمشهد حبوب الهلوسة والمُندسين "المُغرر بهم" بعد أن تم القبض عليهم وندموا على خيانة الوطن وطعنه في الظهر لأجل حفنة من الدولارات. بل هي كواليس فيلم "لآخر العمر" التسجيلي الطويل للمخرج باسل الخطيب، الذي يجري الإعداد له ليُضاف إلى قائمة أفلام بروباغندا النظام السوري. 

يستمر المخرج باسل الخطيب، مع عدد من المخرجين الآخرين، بمراكمة رصيد من الأفلام الدعائية للنظام، الذي حوّل البلاد إلى خرابة كبيرة وأفرغها من أهلها وفتح بيوتهم المدمّرة للاستثمار السينمائي، ذلك أن جهداً سينوغرافيّاً كبيراً تم بذله في تصميم هذه المواقع بالبراميل والأسلحة الثقيلة، ولا بدّ لأصحاب العدسات من بذل جهد موازٍ لإنطاق هذه الأنقاض بغير ما تبوح به للرائي، واستخدامها لترسيخ الرواية الرسمية: مسلحون خونة يعيثون خراباً ويختطفون الأبرياء، و"أبطال" ينقذونهم ويعيدون للوطن شرفه المسلوب. 

يشارك في الفيلم وائل رمضان ورنا شميس وعارف الطويل، وهو من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. ويظهر في التقرير الترويجي له أن تصويره يتم في حي جوبر أغلب الظن، أو في منطقة ما من ريف دمشق، وهذه المناطق كلها هُجّر أهلها قسراً ولا يستطيعون العودة إليها، وصارت بمثابة لوكيشنات مغرية للتصوير على تخوم العاصمة التي يعاني سكانها المقهورون بالبسطار، كجميع السوريين، من تأمين مسلتزمات حياتهم الأساسية في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة وانتشار جائحة كورونا وتردّي كافة جوانب الحياة. 

يتناول الفيلم "بطولات الجيش العربي السوري"، بحسب مخرجه وكاتبه وممثليه. فهذه "البطولات" تحتاج إلى "تخليد"، ويعرض قصة فريق صحفي يتم اختطافه على يد "الإرهابيين" وتحريره على يد "حماة الوطن". هو بروباغندا مباشرة، وسمٌّ صافٍ، ليس مدسوساً بالعسل كحال كثير من الأعمال السينمائية والدرامية الأخرى. ليس فيه "وجهات نظر متباينة" كتلك التي درجت الدراما الموجهة بعد عام 2011 على طرحها ثم نسفها. هو تمجيد لسلاح الإبادة، لا مقاربة تاريخية فنية لأحداث إشكالية. لا يُعدّ مضمون هذا الفيلم مادةً للنقد أو التناول الجاد، إلا أن هذا النمط من الأعمال يثير الفضول ويطرح الكثير من الأسئلة بعد نحو 10 أعوام من المأساة السورية: فمن يتابع هذه الأفلام؟ وأين تُعرض؟ وما هو تأثيرها الحقيقي في الداخل والخارج؟
 
ليس مستغرباً على باسل الخطيب، الدارس في موسكو، أن ينتهي به المطاف في الترويج للكلاشنكوف. هو واحد من عدد من المخرجين الذي التزموا بعد 2011 بالترويج للنظام والدفاع عنه وعن روايته للأحداث باستماتة، وأسسوا ظاهرة السينما الموالية للنظام، وهي ظاهرة بالكاد تتجاوز الحدود السورية ولا تُعرض في أماكن أخرى إلا بشقّ الأنفس، لأن نمط الأفلام هذا لا يملك الأدوات اللازمة ليكون فنّاً حقيقياً، فهو مجرد استكمال لعملية الإبادة الواقعة ضد السوريين على مدار السنوات الأخيرة، ولا تغامر المهرجانات العربية أو الدولية الكبرى في عرضها. 

قد يكون مفيداً هنا تسليط الضوء على إنتاج المؤسسة العامة للسينما وملاحظة التغير الذي طرأ عليها بعد 2011. وقال الناقد والكاتب نبيل محمد، في حديث إلى عين المدينة إن "المؤسسة العامة للسينما، التابعة للنظام، كانت تنتج فيلمين أو ثلاثة أفلام سنوياً بدءاً من العام 2000، ومعظم هذه الأفلام كانت غير ذات صلة بالنظام أو ’الوطن‘، فكان هناك بعض الأعمال التي يمكن مشاهدتها". إلا أن عام 2011، بحسب محمد: "شهد تحوّلاً جذرياً في هذه المؤسسة، فصارت كل الأفلام مسخّرة لخدمة النظام. قررت المؤسسة العامة للسينما حينها تنحية بعض المخرجين، رغم أنهم ليسوا معارضين شرسين للنظام، وبعضهم قد يكون موالياً بعض الشيء أو له مواقف رمادية، كالراحل ريمون بطرس وسمير ذكرى. فيما انتقت أكثر المخرجين ولاء لتوكيلهم بمهمة الترويج لرواية النظام، وهم: نجدة أنزور، وعبد اللطيف عبد الحميد، وجود سعيد، وباسل الخطيب. وبعض هؤلاء المخرجين ينتج فيلماً في العام تقريباً". 

أعلن الخطيب عن موقفه الواضح المؤيد للنظام منذ الأسابيع الأولى للثورة، وانضم إلى جوقة المخرجين المشبّحين له. أخرج الخطيب العديد من المسلسلات والأفلام قبل ٢٠١١، لكنه نذر نفسه للدفاع عن النظام وانخرط في هذه الماكينة الإعلامية بعد بداية الثورة. يوضح محمد أن السينما الموالية "لا يمكن مقارنتها بالأفلام المعارضة، على علّاتها، والتي تُنتج بشكل مستقل وتصل إلى المهرجانات العالمية الهامة، رغم غياب المؤسسات الراعية لها، والتي يمكن القول إنها تمثل السينما السورية إلى حد ما، رغم الجدل الذي يمكن أن تثيره في القضايا التي تطرحه.