في هجاء الكسل بين الظاهرة الطارئة والنمط المعاش

للفنان عبد العزيز الفياض

قد يبدو الكسل مكتسباً حضارياً حين يُنظر إليه كنتيجةٍ للتطوّر الكبير الذي سهّل أساليب الزراعة والصناعة والتنقل؛ لكنه يبدو حالةً مرضيةً في مدينة دير الزور التي تقع بين رصاص وحمم نظام الأسد وسكاكين وسياط تنظيم الدولة.

فباستثناء المقاتلين والمسافرين ومن في حكمهم، من الذين يضطرّون إلى التنقّل لجلب البضائع، لا يستيقظ الأهالي أو يخرجون من بيوتهم لقضاء الحوائج قبل صلاة الظهر، أي بعد الحادية عشرة والنصف بتوقيت دمشق (الثانية عشرة بتوقيت الخلافة). أما ظاهرة النوم حتى العصر فمنتشرةٌ بشكلٍ كبيرٍ بين الشباب. ولا يقتصر الأمر على سكان المدينة، بل يتعدّاها إلى الريف الذي هُجرت فيه الزراعة، وراج العمل في النفط والتجارة (بسبب كثافة النازحين فيه)، التي تعدّ من أساليب الكسب السريع والمريح، بخلاف العناية بالأرض.
إن اتساع خارطة الكسل، وعدم توفيرها الريف، لا يكفيه التفسير القديم الجديد، بأن ظاهرة الكسل -العريقة في دير الزور- وليدة نمط هذه المدينة الاقتصاديّ القائم على التجارة والخدمات ووظائف الدولة، التي حظيت بمكانةٍ مرموقةٍ بين جميع الفئات، لما توفره من دعةٍ ووقتٍ فائضٍ تبتلعه المقاهي والملاهي. فعلم النفس يرى إلى الأمر من زاويةٍ أخرى، قد تسهم في فهمه وتوضيحه: "فالخوف يسبّب مع الوقت حالة توترٍ، من عوارضها التشنج واضطراب التنفس ودقات القلب.. وبدورها ترهق هذه العوامل الجسد، وتؤدّي إلى حالة تعبٍ وخمول"، بحسب آية مهنا، الاختصاصية في علم النفس العياديّ من لبنان. هذا من ناحية الخمول الذي يلقي بظلاله في ظروف الحرب على الكثيرين ممن عاينوا وحشية النظام وعشوائيته في القصف، بالتزامن مع بطش التنظيم الذي يعدّ الأنفاس على الناس. لكن البعض يبدي استعداده للعمل، بغضّ الطرف عن سلامته الشخصية، ودون شروطٍ مهنيةٍ، وتقف في وجهه قلة العمل -النظيف خاصةً، بالمعنى الأخلاقيّ-؛ فتجارة الآثار والنفط والسلاح حرام، كما يروج في أوساطٍ شعبيةٍ واسعة، أو أنها "تجيب وجع الراس والمشاكل"، ولذلك يتجنبها الكثيرون. كما أن فرص العمل المتاحة -كما يرى ناشطون- تكاد تكون غير متوافرةٍ خارج التنظيم (بوظائفه العسكرية والإدارية والفنية وغيرها).
أما من ناحية الكسل الذي يرتبط بشخصية وإرادة الإنسان، فتقول مهنا: "الخمول قد يولد الكسل مع الوقت، حتى يحسّ المرء بنفسه بلا فائدة. فهو يرى أن ما يفعله لا يؤخذ بعين الاعتبار، إذ إن الناس لا تعرف حتى أنه هو صاحب العمل، فيترك المهمّات تتراكم". وفي بعض الأحيان "يصل المرء إلى حالة انتظار شيءٍ لا يعرف متى يتمّ، فلا يجد جدوى لما يفعل، ولذلك تصيبه حالة كسلٍ يربطها بحالة يأس واكتئابٍ" كثيراً ما يصيب الناشطين العاملين في الخفاء حالياً خوفاً من التنظيم، مما يجعلهم ضحية الإحباط بسبب عملهم من جهةٍ، وهويتهم الأصلية التي يضطرّون إلى إخفائها من جهةٍ أخرى، ما يعرّضهم "لحالات الكآبة والصدمات النفسية التي من عوارضها الخمول والتعب والإحساس بالإرهاق الجسديّ". وبحسب مهنا ففي هذه الظروف الصعبة "لا يستطيع الشخص التحكّم إلا في أهدافٍ صغيرةٍ ومحدودة، قد لا تصبّ في العمل الاجتماعيّ والشأن العام، أو قد تكون تافهةً وأنانيةً، لكن وضع خطةٍ للوصول إليها في مدّةٍ قصيرةٍ -حتى إن بدا ذلك مضحكاً- قد يساعد الشخص على الإحساس بالاستمرارية".
تعتاد الأذن، بل تنتظر، تبرير الناس "شكون أريد أشتغل بهالظروف؟!". يجد هذا التبرير ما يؤيده، ولكن المخيف –بحسب ناشطين- هو تحوّل الكسل إلى أسلوب حياةٍ قوامها الفقر والتخلف، بخلاف الكسل الذي يتمتع فيه البعض بالاستفادة من الثراء وتطور التكنولوجيا.