في الجبيلة بدير الزور

الجبيلة | دير الزور | عدسة كرم | خاص عين المدينة

في الجبيلة بدير الزور
حيـــن  تقــــترب المســـــــــافة من العدوّ، ويطول الانتظار...
خلف خطوط التماس هناك حياةٌ أخرى، حيث يصبح الشارع منزلاً للثوار

 

يتميز علي غضباً كلما سمع أصوات "كلاب الاسد"، كما يسمّي المقاتل الشاب أعداءه من جنود النظام. وكما يبدو،
يكره هذا الثائر المتوثب آلات التصوير، ونقص الذخيرة، والانتظار، وكلها اجتمعت حين كانت عين المدينة ضيفاً فضولياً، ثقيل الظل، وغير نافعٍ لمقاتلي الجيش الحر على خط التماس الأول من جبهة حي الجبيلة في دير الزور.
جبيلة2

فهو يوم آخر إذن، لعلي، سيمرّ دون الهجوم الذي يتمناه في كل لحظة، وربما دون دفاعٍ أيضاً، إن لم يتحرش الأعداء.
متاريس الثوار محصنة بشكل جيد، ومتاريس جنود الأسد محصنة أيضاً، كما تبدو من الفتحة أو الطلاقية، حيث يرابط قناص الجيش الحر مراوحاً بين رجليه على طرف سرير من غرفة نوم مدمرة، وحيث تحول مخدع الزوجية السابق هذا إلى مرصدٍ تنتشر فيه أعقاب السجائر وفوارغ الرصاص وكاسات الشاي المتخثر.
وبشيءٍ من الاعتذار وكثيرٍ من الخجل يفسّر محمود، القنّاص الثلاثيني، خراب الغرفة: "لقد كانت هذه البناية تحت سيطرة جنود الأسد، لكننا طردناهم منها واضطررنا إلى المرابطة فيها لأنهم هناك. انظر... خلف أكياس الرمل تلك، على بعد ثلاثين متراً تقريباً. وكل يوم أو يومين نقتل منهم أحداً أو يقتلون منا". ينفث دخان سيجارته ويعود إلى المراقبة قائلاً: "سنقضي عليهم في وقت قريب".

 

طارد الصحفيين

في منتصف الشارع حبلٌ يحمل ثياباً سوداء تبدو مغسولة على عجل. خطوط الماء تسيل من أول الشارع الى آخره. يمسك مقاتلٌ في الأربعين من العمر خرطوم الماء ليبلل أوسع مساحة ممكنة من الشارع والجدران، ويبدي عناية خاصة بالرصيف، فهناك سيجلس، حيث المقاعد التي جلبها مقاتلو الحرّ من أحد المنازل، لاستقبال الضيوف. ومعظم الضيوف مقاتلون من كتائب أخرى، جاؤوا لحاجةٍ أو للاطمئنان أو للتسلية. ومع برّاد الماء وسجّادات الصلاة وأباريق الشاي وأوعية الطبخ، أصبح هذا الجزء من الشارع مثل منزلٍ مفتوحٍ مع كثيرٍ من الأسلحة المركونة جانباً كشيءٍ اعتياديٍ وأليفٍ كأي قطعة أثاث في البيوت.
من أحد الأبواب المطلّة على الشارع يظهر شيخٌ تجاوز السبعين، حاملاَ بندقية روسية على كتفه. يعرّف به قائد الكتيبة ضاحكاً: "إنه عمنا أبو محمد. ترك عائلته وجاء يقاتل معنا. ونحن نحتاجه كثيراً في طرد شحّاذي الذخيرة وطرد الصحفيين الذين يخافون شعره الأبيض".

 

ابن القنّاص

يواصل مقاتلو الجيش الحر أيامهم بإيقاعٍ رتيبٍ، ففترات المناوشات الخفيفة مملّة لقلوب هؤلاء الرجال المحاربين. وتسلياتهم من نوع "مهنتهم" أيضاً، فلا تعدو تنظيف البنادق والقواذف وتفقد العبوات الناسفة، أو التقاط ترددات أجهزة اتصال العدو، والتنصت عليه، ومن ثم المشاكسة، كما يفعل قائد المجموعة أبو خالد حين يدخل إلى شبكة قوات الأسد المقابلة ويبرع بتمثيل نداءٍ جادٍ: "عمّار عمّار... وين وصلتم بالنفق؟"، "عمّار عمّار... فجّر فجّر"! وينجح أبو خالد حينها في إثارة رعب جنود الأسد أو غضبهم فيصرخون، وعبر اللاسلكي أيضاً: "لندوس على رقابكن والله"، "عراعير عراعير... بوط الأسد فوقكن كلكن".
وتستمر التهديدات والمهاترات بين الطرفين. وقد تتطور، وخلال دقائق كما يقول أبو خالد، إلى اشتباكٍ ورصاصٍ وإلقاء قنابل،
يليه هدوءٌ حذرٌ وتربّصٌ من كلا الطرفين. ويضيف أبو خالد: "حاولوا التسلل لزرع عبوات، لكننا بالمرصاد، ومع الكثير من الهدايا".
من الجهة الآمنة من الشارع ظهر طفلٌ صغيرٌ يعلّق على كتفه سلاح "البامباكشن" الذي يشابه اللعبة في هذه الأجواء أكثر من شبهه بالبندقية، ويقلّد في مشيته مقاتلي الحرّ الرسميين، ويهمل الصحفيين كإهمالهم لهم. لم يسمح لنا بالتقاط أي صورة له، وعندما سألناه: ما اسمك؟ لم يجب في البداية، ثم قال باعتزازٍ: أنا ابن القنّاص.