فنزويلا: لا للتدخل الخارجي.. لا لنيكولاس مادورو

جون فيفر
31 كانون الثاني عن موقع Common Dreams
ترجمة مأمون حلبي

لدى اليسار موروث يعتز به- مناصرة الديمقراطية ومعاداة الإمبريالية. لذا، من الهام عدم نسيان هذا التقليد أثناء النظر في الأزمة الحالية في فنزويلا.

احتجَّ آلاف المتظاهرين، ومعظمهم من النساء، على ندرة المواد الغذائية في بلدهم بالطرق على أواني الطبخ أثناء مسيرهم في الشوارع؛ كانوا يرفعون أصواتهم اعتراضاً على السياسات الاشتراكية للحكومة، وقد فرقت الشرطة جموع المحتجين، لكن الضغوطات على الحكومة كانت تتصاعد. رداً على ذلك، اشتكت الحكومة من سياسة الخنق والعزل الاقتصادي، التي كانت تقودها الولايات المتحدة؛ وفي الأمم المتحدة، عبَّر رئيس البلاد عن خشيته من دعم الولايات المتحدة لانقلاب يطيح به؛ كانت هذه تشيلي عام 1971، ورئيس البلاد سلفادور الليندي كان محقاً في خشيته من التدخل الأميركي: سيطاح به وسيقتل في انقلاب عسكري عام 1973.

لكن هذه أيضاً فنزويلا في 2019. المحتجون المناهضون للحكومة يواجهون نقصاً أسوأ في المواد الغذائية، ما دفع الآلاف للنزول إلى الشوارع والطرْق على أواني الطبخ، هذه ليست أزمة مصطنعة؛ ففي عام 2017 -وفقاً لوكالة رويترز- فقد الشخص الفنزويلي وسطياً 11 كغ من وزنه، وكان 90% من الفنزويليين يعيشون الفقر. وقد ردت الحكومة على الاحتجاجات الحالية ليس بتفريق المحتجين فقط، وإنما أيضاً بقتل 40 شخصاً واعتقال 850، عدا عن قتل العشرات إثر احتجاجات 2017 ورمي مئات من الخصوم في السجن.

يُحمِّل الرئيس مادورو الولايات المتحدة مسؤولية مشكلات بلاده الاقتصادية، لكن قبل خطوة إدارة ترامب في آب 2017 الساعية للحد من وصول فنزويلا إلى الأسواق المالية العالمية، تركزت العقوبات الأميركية على أفراد محددين ولم تؤثر على الاقتصاد ككل. لقد كان اقتصاد البلاد في حالة تراجع حاد قبل مباشرة إدارة ترامب مسؤولياتها بزمنٍ طويل.

واستمرت الولايات المتحدة باستيراد النفط من فنزويلا: كانت فنزويلا في 2017 رابع أكبر مُورِّد للنفط للولايات المتحدة؛ فمعاناة فنزويلا الاقتصادية محليّة الأسباب لدرجة كبيرة، فقد فشل مادورو -وقبله تشافيز- في تنويع اقتصاد فنزويلا بعيداً عن البترول، ما جعل فنزويلا ضعيفة عند هبوط أسعار البترول، إضافة إلى الفساد وسوء الإدارة.

لعالم منقسم، بلداناً وأيديولوجيات، بخصوص من يدعم في فنزويلا: الرئيس المحاصر بالمشكلات أم المعارضة؟ قبل قرابة نصف قرن، التفّ اليسار العالمي حول سلفادور الليندي، الذي جاء إلى السلطة عبر انتخابات حرّة، وأدان بقوة التدخلات الأمريكية. أما اليوم فقوى اليسار – وآخرون كُثر – تحتجّ بقوة ضد المساعي الأمريكية للتدخل في فنزويلا. هذا الأمر هو قطعاً عين الصواب. ومع أنّ مادورو مخطىء بخصوص سبب مشكلات بلاده الاقتصادية، إلا أنه محق بإدانة واشنطن في سياساتها الطامحة لتغيير الأنظمة.

مع ذلك، ليس من واجب أحد الالتفاف حول مادورو، فهو ليس الليندي. مادورو فاسد وغير ديمقراطي. لقد نزع الشرعيّة عن الجمعية الوطنية لأنها عارضت سياساته، وأنشأ برلماناً من الدمى محلها. وكحالة تشاوشيسكو في رومانيا أو بشار الأسد في سوريا، مادورو "اشتراكي" بالاسم فقط. صحيح أنه يدعم إعادة توزيع الثروة، لكن لتدخل جيوبه وجيوب حاشيته.

إن الاحتجاجات التي اندلعت في فنزويلا هي كالاحتجاجات التي استهدفت مبارك عام 2011، وكالاحتجاجات التي لا تزال جارية حالياً ضد البشير في السودان، إنها جميعاً تستهدف الطغاة. سلفادور الليندي انتُخِب ديمقراطياً وحكم ديمقراطياً، أما مادورو فهو جزء من تقليد استبدادي مختلف كليّة. فمعارضة التدخل العسكري للولايات المتحدة أمر ضروري، لكنه غير كافٍ. وكما يطرح الإعلام العالمي الذي كان في طليعته المثقف اليساري الفنزويلي إدغاردو لاندر، من الهام أيضاً أن: "نرفض استبداد حكومة مادورو، إضافة إلى قمع الحكومة للاحتجاجات المتنامية في أنحاء البلاد، المطالبة بالطعام والنقل والصحة والمشاركة السياسية والخدمات العامة وغيرها، فمن حق الشعب الفنزويلي التظاهر دون أن يتم تجريم ذلك".


ماذا بعد ذلك بالنسبة لفنزويلا؟

تصر الولايات المتحدة على أن يختار العالم بين مادورو وخوان غوايدو، الذي أعلن عن نفسه رئيساً مؤقتاً في 23 كانون الثاني؛ الفنزويليون ليسوا متحمسين لمادورو، فحتى القاعدة العمالية لسلفه تشافيز انقلبت ضده. في تشيلي جاء معارضو الليندي من الأثرياء والطبقة الوسطى، أما في فنزويلا فقد لعبت عوامل نقص الأغذية والتضخم الهائل والبطالة المرتفعة والفساد المتفشي دورها في إبعاد كل قطاعات المجتمع عن الحزب الحاكم. لقد طالب عدد قليل من الفنزويليين البارزين بالتدخل الخارجي. لكن بالرغم من الصعوبات المعيشية التي يواجهونها وعناد حاكمهم المستبد، تعارض أغلبية الفنزويليين التدخل الأجنبي.

طريق الخلاص واضح: على مادورو أن يتنحى ويقبل عفواً، بعدها يمكن للفنزويليين أن يختاروا حكومة جديدة بانتخابات حرة ومقبولة.


اليسار والديمقراطية

لقد كان اليسار من بداياته في الثورة الفرنسية ضد حكم الملوك والأباطرة ومع السيادة الشعبية. أثناء القرن التاسع عشر اندفعت إحدى شرائح اليسار بعيداً عن الديمقراطية لصالح ديكتاتورية أخذت اسم (ديكتاتورية البروليتاريا): هذا النموذج الذي يُغيِّب الحريّة إما قد انهار (الاتحاد السوفيتي) أو تحوّل إلى وضع لم يعد يمثّل مصالح الفئات العاملة (الصين).

إنه لأمر مؤلم أن نرى اليسار مُلتفّاً حول قادة معادين للحريات، إما بسبب اعتقاداتهم "الاشتراكية" المزعومة، أو لأنهم يقدّمون أنفسهم كقوة معادية لتسلّط الولايات المتحدة. لقد كان أمراً مُحرجاً أن نرى اليسار يلتمس المبررات للصين أو للاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، وإنه لأمر مخجل اليوم أن نرى اليسار يلتمس المبررات لبوتين أو جي بينغ أو نيكولاس مادورو.