فسادٌ في أروقة الجامعات السورية

من جامعة دمشق

وقفتُ أنا وصديقاتي بعد انتهاء المحاضرة مع دكتور المادة، لإعطائنا بعض الإرشادات قبل الامتحان، ولكنه لم يقدّم لنا أيّ معلومة، مكتفياً بجملةٍ واحدة: «اللي بدو شي يمرّ ع المكتب لحدّد له موعد وأعطيه درس خاص»، هذا ما قالته هبة الطالبة في كلية الهندسة المعلوماتية بجامعة تشرين.

يواجه أغلب طلاب الكليات والمعاهد السورية صعوباتٍ في النجاح بسبب الفساد المنتشر نتيجة غياب القانون في ظل الانفلات الأمنيّ وغلاء الاسعار. بيع وشراء المواد الجامعية أصبح حديثاً عاماً لا يخجل منه أحد، يتداوله الطلاب وأساتذة الجامعات في السرّ والعلن، فويلات الحرب التي يشنها النظام على الشعب المطالب بحريته خلفت نتائج سلبيةً كثيرة، وقطاع التعليم أحد المتضررين الكبار.

الطرق متعددةٌ والنتيجة واحدة

تقول رهف، وهي طالبةٌ في قسم اللغة العربية باللاذقية: «جامعة تشرين من أكثر الجامعات التي ينتشر فيها الفساد. أصبحت غالبية المواد تحتاج إلى الدفع بشكلٍ ما حتى «ترفّعها». وتتراوح تكاليف المادة بين 10 و100 ألف ليرةٍ سورية، تبعا لأهميتها وصعوبة النجاح فيها». وتردف قائلة: «يتمّ الدفع بطرقٍ عدة، أشهرها ظاهرة الدروس الخاصة عند مدرّس المادة نفسه، وكلما زاد عدد الدروس التي تأخذها كلما زاد معدل نجاحك. والشكل الآخر هو الدفع المباشر، وعندها يتفق الدكتور مع الطالب على إشارةٍ محددةٍ توضع على ورقة الإجابة ليستطيع الدكتور التعرف عليها دون رؤية الاسم. بالإضافة إلى الطرق الأخرى، وهي تقديم الهدايا أو إقامة علاقاتٍ خاصّة مع الدكاترة».

وسطاء يلعبون بمصير الطلبة

لم تقتصر ظاهرة السلب الماديّ برضى المسلوب على مدرّسي المواد الجامعية، فهناك سماسرةٌ يزيدون العبء على الطلبة المجبرين على الدفع لأن ما يهمهم هو التخرّج للحصول على الشهادة والخلاص من الظروف الأمنية التي يتعرّضون لها سواء في الجامعة أو في طريقهم اليها.

تحدثنا آية، وهي طالبةٌ في السنة الرابعة من قسم اللغة الفرنسية، عن أبو أحمد الموظف في شؤون الطلاب بجامعة دمشق، وقد عرف بالترصد للضحايا وتسهيل سبل شراء المواد والتوسط بين الطلاب والمدرّسين. قالت: «لم أستطع النجاح في مادة اللسانيات، وباتت تشكل عائقاً كبيراً أمام حصولي على الشهادة، مما اضطرّني إلى طرق باب غرفة أبو أحمد. جلست أساومه على شراء المادة مثلها مثل أيّ سلعةٍ تباع وتشترى في السوق، وفي النهاية اتفقنا على 50 ألف ليرة. للحظةٍ شعرت أنني أقف أمام بسطة بيع خضار، وليس خلف طاولة موظفٍ في الجامعة».

ضحايا ولكن من نوعٍ آخر

مريم هي الأخرى طالبةٌ في السنة الثانية من قسم اللغة الفرنسية بجامعة دمشق. تقول: «خطأٌ غير متعمد، فقد ظننت أن موعد تقديم مادة «الحضارة والفكر» في تمام الساعة 11 صباحاً، ووصلت إلى باب المدرّج قبل نصف ساعةٍ من الموعد، لأكتشف أنني متأخرةٌ نصف ساعة. ذهبت إلى مكتب مدرّس المادة، طرقت الباب ويدي ترتجف خوفاً من رفضه دخولي إلى المدرّج. عندما دخلت قلت له: «دكتور، مشان الله. أنا طالعة من بيتي الساعة 4 الصبح. إجيت من حماة. فكرت المادة الساعة 11، بس طلعت الساعة 10...». قاطعني قائلاً: «إي وشو المطلوب؟..». قلت: «إذا فيك تساعدني حتى يسمحولي قدّم المادة. صعب عليّ مشوار الطريق، وما بقدر أسكن هون، أنا متزوجة وعندي طفل عمرو شهرين». ردّ بنشافة: «روحي قدّمي طلب بشؤون الطلاب، وبعدها بوجهك لعند رئيس الجامعة. أنا ما فيني أعمل شي».

قالت: «ركضت إلى مكتب شؤون الطلاب، علّني أستطيع أن أدخل المدرّج قبل انتهاء الوقت، وصدمت عندما شاهدت زميلتي تقدّم المادة في المكتب نفسه! عندها أيقنت أنه لن يسمح لي بدخول القاعة لأنني لم أدفع لأحد، وأيقنت أن الجامعة للأغنياء، ومن يستطيع الدفع تفتح أمامه الأبواب. انتظرت زميلتي حتى خرجت من مكتب شؤون الطلاب وسألتها: «كيف كنتي عم تقدمي بالمكتب؟!»، فأجابتني: «بالدفع بتقدمي المادة بأي وقت وبأي غرفة بالجامعة. بعدين بابا مستلم الدفاع الوطني وما حدا بيرفض له طلب».

تتابع مريم: «خرجت من الجامعة وعيناي ممتلئتان بالدموع، أشعر بالمرارة والظلم. لكن عندما تذكرت ما يمارسه هذا النظام على شعبه سخرت من نفسي لأنني بكيت، فنحن نعيش في غابة، وهذه نتيجةٌ طبيعيةٌ لوجود هكذا نظام وهكذا مؤسسات».

هبة، رهف، آية، مريم، وغيرهنّ، ضحايا الفساد السائد في الجامعات السورية التي تحولت من صروحٍ تخرّج الكفاءات العلمية إلى سوقٍ للبيع والشراء واستغلال ظروف الطلاب.