فرص العمل الجديدة؟

عدسة كرم | خاص عين المدينة

حملت الثورة السورية على عاتقها تحقيق أحلام وطموحات الشعب السوري بكافة شرائحه. ولعلّ أكبر الحالمين كان الشباب العاطل عن العمل، فكان من أوائل الملتحقين بركب الثورة. واليوم، مع دخول الثورة مراحلها الأخيرة، باتساع رقعة المناطق المحررة وعودة الحياة إلى أغلبها، وخصوصاً في محافظة دير الزور؛ يعيش الشباب العاطل أزمةً جديدةً، ألا وهي ازدياد نسبة البطالة، وقلّة فرص العمل، وتحوّل قسمٍ كبيرٍ من العمال إلى عاطلين جددٍ عن العمل.

 

 العمالة والبطالة قبل الثورة

لم يكن العامل السوري في أفضل أحواله قبل الثورة، بل كان يعيش على وقع اهتزاز الاقتصاد الوطني المتذبذب، الذي لم يعرف انتعاشاً ملحوظاً على مر العقدين الأخيرين، بسبب النظام وما فعله باقتصاد البلاد من نهبٍ للثروات، وترسيخ سياسة التجويع، وتسلّط المسؤولين على الاقتصاد، واحتكار الاستثمار ضمن عائلتي الأسد ومخلوف ومن يواليهما.
وفي دير الزور كان لتحطيم أرقام ومعدّلات البطالة والعمالة والاستثمار قصة طويلة، فقد شهدت المحافظة أعلى نسبة بطالة في سوريا، إذ حوت 24.4% من نسبة العاطلين عن العمل في البلاد. كما عرفت أدنى نسبة أجور، وأقلّ نسبة تنمية اقتصادية، رغم ما تحويه من ثروات باطنية وزراعية، ومؤهلاتٍ جيدةٍ للاستثمارات والمشاريع الكبرى والمتوسطة.

 

البطالة والثوار

مع انطلاقة الثورة انخرط أغلب شباب دير الزور فيها، فمنهم من ترك عمله، ومنهم من فصل من وظيفته بسبب نشاطه الثوري، مما أدّى إلى ارتفاع نسبة البطالة.
محمود، مقاتلٌ في الجيش الحر، كان قبل بداية عمليات التحرير في المحافظة يشارك رفاقه في الهجوم على المواقع والحواجز العسكرية ليلاً، ليذهب نهاراً إلى وظيفته. لكنه فصل اليوم من عمله بسبب انكشاف أمره، لتبقى عائلته من دون دخل.
خصص قائد الكتيبة راتباً شهرياً لمحمود وأمثاله، ليسدّوا احتياجات عوائلهم. لكن الراتب لم يكفِ، فلجأ محمود إلى العمل في أوقات راحته، ببيع الحلويات الشعبيّة في المناطق المحرّرة.
ولا يختلف حال محمود عن حال باسل، خريج كلية الاقتصاد، والعامل سابقاً في إحدى المصارف الخاصة، التي أعلنت عن إقفال فروعها في المناطق المحرّرة، وصرف عمالها، فأصبح باسل وغيره عاطلين عن العمل، مما اضطره لأن يكون شريكاً لمحمود في بيع الحلويات.

 

الثورة وفرص العمل

خلقت الثورة بعض فرص العمل المرتبطة بمجالات الطبابة والإغاثة والتسليح والإدارة المؤقتة للمناطق المحرّرة. فالمنظمات الإغاثية الدولية والعربية والمحلية وفّرت فرص عملٍ في نقل المساعدات وتوزيعها وعمليات الإحصاء والإشراف على التوزيع.
أما المجالس المحلية فتسعى جاهدةً لإيجاد فرص عمل، ولكن ضعف الإمكانات المالية يمنعها. فيما ظلّت وعود الاستثمارات، من قبل الائتلاف والدول المانحة، للمجالس المحلية في المناطق المحررة، دون تنفيذ.
أبو محمد، أحد موظفي شركة الكهرباء في دير الزور، تمّ فصله من عمله بسبب موقفه المؤيّد للثورة. وأعاده المجلس المحلي إلى عمله، وخصّص له مرتباً شهرياً يساوي السابق. تحدث لـ"عين المدينة" قائلاً: "ضاقت بي السبل بعد فصلي من عملي. ولم أعد أعرف ماذا أفعل، فأنا أبٌ لخمسة أطفال، وليس لديّ أي موردٍ آخر لإعالتهم. ولكن اليوم، بعد إعادتي إلى العمل من قبل المجلس المحلي، أصبحت أكثر نشاطاً وسعياً لإصلاح ما أفسده النظام. وحتى لو تمت إعادتي إلى العمل من قبل النظام فلن أعود".
أما سليم، فهو شابٌّ عاطلٌ عن العمل، وجد في التكرير العشوائي للنفط عملاً مربحاً يعوّضه عن سنين البطالة. لكن، عندما سألناه عن شرعية وقانونية العمل الذي يقوم به، أجابنا قائلاً: "وفّروا لي أيّ عملٍ آخر يساعدني على أن أعيل أسرتي.. وسأترك فوراً".
حوّلنا إجابة سليم إلى استفسارٍ طرحناه على أحد الخبراء الاقتصاديين، الذي قال: "يمكن القضاء على هذه المشكلة بإدخال مصافي النفط الحديثة، وتشغيل من كانوا يعملون بالتكرير العشوائي فيها. وبذلك نقضي على تلك الحالة. ولكن هذه الخطة تحتاج إلى إرادةٍ موحدة لدى القائمين على الآبار والحقول النفطية، لكي يمتنعوا عن بيع النفط الخام عشوائياً".
وتبقى إعادة الإعمار هي الحل الأمثل للقضاء على البطالة. فالدراسات الاقتصادية تشير إلى أن هذه العمليّة ستتطلب عدة سنين، وتحتاج خبراتٍ وأيادٍ عاملة كثيرة. ولا شك في أن الشباب السوري سيكون منتظراً لهذه الفرصة، لا لتغيير حياته وحسب، بل لإعادة هذا البلد كما كان، والنهوض به.