فارس القادسية أبو زيد... كليةٌ شهيدةٌ وجسدٌ أسير

إنه أبو زيد، بركات المطر، قائد لواء القادسية في البوكمال. الفارس الذي أصرّ على أن يبقى واقفاً في وجه المنايا. الرجل الذي كان له الفضل الأكبر في توحيد كتائب البوكمال تحت راية جيش الله أكبر.
كثرٌ هم المقاتلون والشهداء، ولكن لهذا الرجل طابعاً خاصاً، ومكاناً متميزاً في قلوب أهل مدينته.

 

مسيرة الجهاد

يقول محمود المطر، وهو شقيق الشهيد: كان أبو زيد من أوائل الرجال الذين حملوا السلاح في مدينته، وقاوموا قوات النظام المعتدية عليها. فقاتل إلى جانب إخوانه في كتيبة جنود الحق، ثم أصبح قائداً للواء القادسية في البوكمال، إلى أن استشهد.
ويضيف محمود: تعرّض أبو زيد لإصابة بطلقٍ ناريٍ أدى إلى إعطاب كليته، ثم إزالتها. وكان ذلك عند هجومهم على سرية الهجانة التابعة للنظام في منطقة مضيج في البادية، في الشهر العاشر من العام 2011. ولكنه عاد الى القتال على الرغم من حالته الصحية. يعلّق أحد المقاتلين على إصابة أبو زيد وفقدانه لكليته في تلك المعركة: كان يمازح زواره على فراش المرض بأنه أرسل كليته إلى الجنة، وبأنه سيلحقها حتماً إلى هناك.

 

رفيق السلاح

في الموقع الخاص بلواء القادسيّة، تتصدر صورةٌ كبيرةٌ للشهيد مدخل البناء، ليعلم الداخل إلى هذا المقرّ مقدار المحبة التي يكنّها هؤلاء المقاتلون لبطلهم الراحل.
ويبدو أن رحيل أبو زيد كان له أثرٌ كبيرٌ على رفيقه في السلاح، الحاج خليل العبد الله، الذي بدت علامات التأثر والفقدان على وجهه عندما أراد الكلام عن الشهيد. يقول الحاج خليل: من أين أبدأ وماذا أقول؟ وسبقت الدموع الكلمات، ثم تابع: كان خلوقاً مرحاً هادئاً محبوباً من الجميع. أما في القتال فهو قائدٌ لا يشقّ له غبار. وهو في المقدمة دائماً، فلم نر كإيثاره على نفسه. كان شديد الحرص على المقاتلين معه. ولا يحسّ الشباب أنهم يتعاملون مع قائدٍ، إنما يعتبرونه أخاً كبيراً لهم.

 

استشهاده

في الشهر الخامس من العام 2013، وبينما كان مقاتلو الجيش الحر، المؤلّف من عدة ألوية من البوكمال، منطلقين بقيادة أبو زيد إلى مهمة قتالية في أعماق البادية، قريباً من منطقة التنف الحدودية مع العراق، تمكنوا خلالها من أسر عددٍ من الضباط والشخصيات المهمة، وغنموا شاحنات ذخيرة وعتاد قادمة من العراق، تعرّضوا لهجومٍ معاكسٍ في طريق عودتهم، فصمد مقاتلو الحر أمام هذا الهجوم ببسالةٍ منقطعة النظير. وليستشهد أثناء هذه المعركة القائد المحبوب أبو زيد مع رفيقه حسن الراوي، بعد أن صمدا حتى الرمق الأخير.
يقول مأمون عزيز، وهو أحد المشاركين في تلك المعركة: كنا ننظر إلى أبو زيد وهو يقاومهم من غرفةٍ مهدمة الجدران ببندقيته، إلى أن نفذت ذخيرته فاستخدم مسدسه، حتى استشهد بعد أن أمّن انسحاب الكتائب بالكامل. أي أنه، والشهيد حسن، كانا يغطيان لتأخير تقدم قوات الأسد إلينا.

 

2

صفقة مبادلة الجثامين

واختطفت قوات الأسد جثماني الشهيدين بعد انتهاء المعركة، واحتفظت بهما في برادات مشفى تدمر، ورفضت خلال شهرين كاملين تسليمهما. إلى أن تمت صفقة التبادل، وبوساطة من الهلال الأحمر، عندما أطلق الثوار سراح ثلاثة جنود أسديين أسروا في تلك المعركة مقابل أن يسلم جثمانا البطلين إلى ذويهما. وهكذا عاد أبو زيد ورفيقه حسن إلى البوكمال، ليدفنا في مقبرة شهدائها.