عاينات وِلف*
مجلة The Globalist**
9 حزيران
ترجمة مأمون حلبي

لعقود قادمة، ستكون قصة الشرق الأوسط تعبيراً عن قوتين بأهداف متعارضة؛ معسكر يحارب من أجل هيمنة الإسلام السنّي، خصوصاً في العالم العربي، ومعسكر آخر يوحّد المسلمين غير السُنّة مع غير المسلمين، يريد أن يضمن عدم ظهور قوة سُنيّة مهيمنة. وفي هذا المشهد تشترك كل من إيران وإسرائيل وروسيا، بالرغم من المنافسة بينهم، في هدف واحد هو الحفاظ على التفرقة والتفكك السنّيين.

عالم مُدمَّر

يعيش العالم السُنّي عموماً، والعالم السُنّي العربي على وجه الخصوص، حالة من الدمار. غير أن الوهن الحالي يجب ألا يحجب حقيقة أن السُنّة أغلبية المسلمين، وأن العالم العربي سُنّي بشكل حصري تقريباً.

بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بسبب تدخل القوتين البريطانية والفرنسية لم يكن للعرب السُنّة دور يذكر في تقرير شأنهم السياسي. وبما أنهم بدأوا الآن يخرجون من حالة سبات سياسي دامت قرناً فإن عالماً عربياً سُنيّاً متحداً يُشكّل إحدى أكبر الجوائز الجيوسياسية، لكن المتنازع عليها.

حدود لا معنى لها

بغض النظر عن معنى الحدود السابقة في الشرق الأوسط، فقد محتها العاصفة الرملية السياسية للربيع العربي، لكن قوة طبيعية مهيمنة لم تظهر حتى الآن. مع ذلك، كانت هذه المنطقة موحدة في الماضي ولديها الإمكانية لتتوحد من جديد. ولو ظهر مجتمع عربي سُنّي موحد، خصوصاً تحت راية التفسير الأكثر تطرفاً للإسلام، فقد يُشكّل تهديداً وجودياً للأقليات من غير السُنّة والعرب والمسلمين في الشرق الأوسط.

بريطانيا كقدوة تحتذى

تكرر سياسات الأقليات من غير السُنّة وغير المسلمين الوصف الشهير للسياسة الخارجية البريطانية تجاه أوروبا كما تم تصويرها في الكوميديا ذائعة الصيت «نعم أيها الوزير»: «لقد كان لبريطانيا طوال الـ500 عام الأخيرة على الأقل نفس الهدف في السياسة الخارجية: أوروبا مفككة. من أجل هذا قاتلنا مع الهولنديين ضد الإسبان، ومع الألمان ضد الفرنسيين، ومع الفرنسيين والطليان ضد الألمان، ومع الفرنسيين ضد الألمان والطليان». الدور البريطاني في ذلك السيناريو يؤديه الإيرانيون والإسرائيليون والروس في الشرق الأوسط. إنهم على استعداد لتشكيل تحالفات ضرورية للحفاظ على شرق أوسط مفكك، كائنة ما تكون هذه التحالفات.

الأهداف السُنّية

من ناحيتهم، يحاول اللاعبون السنّة توطيد موقعهم كمنافسين ممكنين للهيمنة على العالم السنّي عموماً والعالم العربي السنّي خصوصاً. هناك سرديات كبرى تُطرح عادة لفهم الشرق الأوسط مثل «المعركة بين الإسلام السنّي والشيعي». سرديات كهذه بعيدة عن الصواب لأنها لا تلحظ التفاوت الكبير في السماحة والعدد بين الإسلامين، بالإضافة إلى شبه استحالة أن يهيمن الإسلام الشيعي على شعوب وأراضي الإسلام السنّي. فالشيعة، الذين تُقدّر نسبتهم بين 10% و15%، هم الأقلية. وخارج إيران وأذربيجان ومناطق محددة في العراق يُمثّلون أقلية محاصرة، إيران حاميهم الوحيد.

انسجام البُعد النووي

من الأفضل أيضاً فهم سياسات إيران النووية على هذا الأساس. فإيران ليست متأثرة فقط بحيازة باكستان أسلحة نووية، وإنما هي أيضاً قوة أقليّة تحاول أن تدافع عن نفسها ضد تهديد قوة ما قائدة قد تظهر. وهي تمشي فوق خيط رفيع يفصل بين محاولة تحقيق قدرات نووية وبين أن تصبح بالفعل مالكة لأسلحة نووية. ويُمثّل هذا السير سياسة بارعة مرسومة بعناية ومُصمَّمة للردع من خلال القدرة على تطوير أسلحة نووية، وفي الوقت نفسه عدم السير إلى درجة تطوير أسلحة ستدفع خصومها إلى البحث أيضاً عن قدرات نووية كاملة ستقوم بدورها بتهديد إيران.

مصلحة العالم

سيتأثر العالم بنتيجة معركة الهيمنة في العالم السنّي عموماً والعربي خصوصاً، لأنها ستحدد إن كان الناس في أنحاء المعمورة سيكونون في مأمن من الهجمات على بلادهم أو إن كانت قوة جديدة ستظهر مهددة أوروبا وروسيا وأفريقيا وآسيا وما هو أبعد، وأي نوع من الإسلام سيشكل حياة ثلث سكان العالم.

لسوء الحظ، هناك القليل مما يستطيع العالم غير الإسلامي فعله في تشكيل النتيجة. في أحسن الأحوال، قد تكون القوى الخارجية قادرة على التخفيف من أسوأ النتائج المحتملة لمعركة الهيمنة في الشرق الأوسط، وحتى هذا الأمر مشكوك فيه. على المراقبين الخارجيين أن يدركوا أن ما يحدث في العالم العربي السنّي حقيقي أصيل، للمرة الأولى منذ قرن، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه إيجابي. وفي المحصلة، سيكون على السنّة عموماً، والعرب السنّة خصوصاً، أن ينجزوا نظامهم الإقليمي بأنفسهم. ومهما كان شكل هذا النظام فلا بد من أن يوصف بعبارات مستمدّة من التاريخ الإسلامي السنّي العربي. فالإسلام دين سياسي لديه تصورات واضحة للنظام العالمي المناسب وللطريقة التي يجب أن تُنظّم وتُحكم بها القضايا الخاصة والعامة. وكائنة ما كانت القوة المهيمنة، فستكون متجذّرة في الإسلام بوصفه اللغة الثقافية للمنطقة. فكرة الخلافة لن تختفي. إنها ببساطة الشكل الإسلامي التاريخي للوحدة العربية ولوحدة المسلمين. حتى وإن هُزِم التنظيم الحالي المعروف باسم الدولة الإسلامية، فإن فكرة هذه الدولة ستستمر في القوة والنفوذ بوصفها المبدأ الناظم للعالم العربي السنّي وعالم المسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي، دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كامبردج.
** مقالة مقتطفة من دراسة نشرها معهد السياسات الإستراتيجية الأسترالي.