عن أسماء الأماكن التي غُيّرت... بين الثقافة الشعبية والنظام وداعش

ليس سهلاً أن يهتدي المرء إلى الطريقة التي يتمّ فيها اعتماد اسم مكانٍ ما شعبياً. لكنه يستطيع، ببساطةٍ، الاهتداء إلى الهدف الذي يحدو أية جهةٍ مسؤولةٍ إلى إطلاق الأسماء.

فعلى سبيل المثال تبدو نيّة النظام واضحةً في ترك طابعه على الأماكن، كما في اختيار اسم (حيّ الثورة) أو (مساكن الحزب) في مدينة دير الزور، لكن السبب غير واضحٍ في اعتماد وشيوع اسم حيّ الجورة -على سبيل المثال– (وهو المعادل الشعبيّ لاسم حيّ الثورة) بين الناس المحليين، بغض النظر عن كون الاسم مرتبطاً بطبيعة الحيّ الجغرافية، أو أنّ بقاء اسمه هو نوعٌ من المقاومة الشعبية التي تعتمد على الثقافة الشفهية مقابل تلك الرسمية المكتوبة، لأن عملية التغيير قد نجحت في حالاتٍ عدّة. ولا يختلف الأمر كثيراً في حالة تنظيم داعش، باستثناء أنّ النظام استطاع أحياناً فرض طابعه عن طريق أسماء بعض المنشآت التي أحدثها، كما في صالة الأسد لتجارة التجزئة، المنتشرة في أكثر من مدينة، أو مشفى الباسل. الأمر الذي لم يستطع التنظيم مجاراته فاكتفى بإطلاق تسمياته الخاصّة على المدارس الأهلية التي أنشئت في عمر الثورة، فمدرسة غفران المداد (اسم ضحيةٍ من ضحايا القصف) في حيّ العمال أصبحت تحمل اسم الامام النوويّ، كما على المدارس الحكومية، فإعدادية ساطع الحصريّ أصبحت الإمام القرطبيّ، وتحوّلت مصطفى أمين إلى ابن كثير الدمشقيّ (بقيت طارق بن زياد على حالها). وقد عمّم التنظيم تلك التسميات بنشرها في ملصقاتٍ ورقيةٍ ملأت جدران المدينة. كما عمد إلى تغيير أسماء المشافي وبعض المساجد والشوارع؛ فشارع التكايا صار شارع التوحيد، وتكية الشيخ ويس صارت مسجد الإيمان. وأسباب كلّ ذلك واضحةٌ، تأتي على رأسها محاولة إحياء بعض الرموز واستلهام وتكريس مكانتها وتسليط الضوء عليها، أو ردّ الاعتبار لها بما يشبه الانتقام من تغييبها زمن حكم البعث، وتحويلها إلى أيقوناتٍ باستعمال الناس اليوميّ لها.

وبالانتقال إلى أسماء القرى والبلدات والمدن فإن التغييرات التي طرأت على بعضها تحكي رحلة السلطة منذ خمسة عقودٍ حتى الآن، وتسييس الثقافة والجغرافيا، والانتقائية التي حكمت اختيار أسماء تلك الأماكن. وليس أوضح من مثال عين العرب (الاسم الرسميّ للمدينة شمال شرقيّ حلب) التي يطلق عليها الأكراد اسم كوباني، ويطلق التنظيم عليها اليوم اسم عين الإسلام. وربما حدث التغيير لعدم الملاءمة أحياناً، فقرية المصلّخة، التي بدا اسمها غير مناسبٍ في الاستخدام الرسميّ، سمّيت فيما مضى الجلاء، والآن يسمّيها التنظيم الولاء، لكن تلك القرارات لم تفلح في دفع أهالي المنطقة إلى ترك اسم المصلّخة المستخدم حتى الآن. ونلحظ الأمر ذاته في اسم قرية الحسرات التي أصبحت خيرات، والجرذي التي أصبحت اليمان.

ولكن التعلق اللاواعي بالأسماء القديمة للأماكن، التي أقدم تنظيم الدولة على تغييرها، ينطبق على البيئة الشعبية مثلما ينطبق على عناصر التنظيم أنفسهم، الذين لا يلتزمون كثيراً، في أحاديثهم اليومية على الحواجز وفي الأسواق، بالتسميات الرسمية التي اعتمدها منظّروهم. إذ لا يكاد يظهر تعبير "ولاية الخير"، وهو الاسم المستحدث لدير الزور، إلا في القرارات المكتوبة والتعميمات والإصدارات والخطب وغيرها. (كلمة دير هي ما دعاهم الى تغيير الاسم. ولذات السبب غيّروا اسم مدينة دير حافر بريف حلب الى دار الفتح). وقد يستعمل بعض العوامّ التسمية الجديدة مراعاةً لاعتمادها من قبل التنظيم فقط.

وقد تعدّدت أنماط الأسماء التي يطلقها التنظيم؛ فمنها الأسماء المجرّدة (ولاية البركة: الحسكة ذاتها) ومنها أسماء علماء (الإمام البخاريّ: مدرسة شام الأهلية سابقاً) أو أسماء صحابة (أبو بكر الصديق: مشفى الشيخ ياسين) أو بعض قادة ومنظّري القاعدة والتيار السلفيّ (أسامة بن لادن: مسجد المفتي الأهلي).

والجدير بالملاحظة أن التنظيم والنظام ينهلان، في هذا المنحى على الأقلّ، من ذات الخزّان الرمزيّ (الثقافة العربية الإسلامية) رغم كلّ عمليات الانتقاء والغربلة والتجيير. لكن النظام لم ينجح في إدخال تسمياته إلى الاستعمال الشعبيّ، فهل ينجح التنظيم في ذلك؟