طرابلس المُفقرة والمنسية تنهض لتصبح قلب الاحتجاجات اللبنانية

كلوي دومات
7 تشرين الثاني عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي


في ثاني أكبر مدينة في البلاد، يتحد المحتجون ضد المسؤولين الفاسدين، بغض النظر عن اختلافاتهم. وفي يوم العطلة الأسبوعية الماضي، تجمّع عدة آلاف من المحتجين في ساحة النور في قلب طرابلس، إحدى معاقل الاحتجاجات اللبنانية الثائرة على أهل الحُكم.

ما تزال الساحة مغلقة أمام حركة المرور حتى إشعار آخر. أُعيد طلاء المباني المُحيطة بالساحة بألوان العلم اللبناني، وطرح السُكان المحليون قائمة مطالب وكتبوا شعاراً بأحرف كبيرة: "طرابلس مدينة السلام". تقول مريم، وهي خريجة جديدة تعمل كدليل سياحي: "عند البحث عن طرابلس على موقع غوغل، الشيء الوحيد الذي يظهر هو صور الحرب. هذا ما يُريدنا الساسة أن نظهر عليه. لكن هذا ليس صحيحاً، وهذه ليست طبيعتنا. فمدينتنا جميلة وأهلها ودودون".

التوجّه شمالاً

تُعد طرابلس، التي يبلغ عدد سكانها 700 ألف نسمة، ثاني أكبر مدينة في لبنان، وهي مدينة سُنيّة في غالبيتها، ولها صورة محافظة للغاية. في عام 2014 كان شائعاً أن يرى المرء صوراً لشهداء شباب ماتوا في سوريا المجاورة أو في الصدامات التي كانت تحصل بين منطقة باب التبانة السنيّة وحي جبل محسن ذو الغالبية العلوية. غير أن هذه الصورة في تباين مع طرابلس اليوم، فالمدينة تحتضن المظاهرات الأكثر احتفالية كحركة احتجاجية كرنفالية الشكل تمتد في كل أنحاء البلاد. وفي عدة مناسبات، كانت قوافل المحتجين من بيروت وأنحاء أخرى من البلاد تتوجه شمالاً إلى طرابلس تعبيراً عن تضامنها.

يقول بسام (مالك مطعم): "هذه أول مرة منذ 30 عاماً أشعر أن الشعب اللبناني واحد. أقصد أنه عندما تُجيل النظر إلى الناس ترى محجبات وغير محجبات، شيعة، مسيحيين، سُنّة... وحتى أن بعض الناس هنا قد أتوا من بيروت والجنوب، إنهم هنا ليثوروا معنا. لماذا؟ لأننا جميعاً متفقون الآن".

المتظاهرون، الذين رحّبوا باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، يريدون الاستمرار بالاحتجاجات على الأقل حتى يتم تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط مستقلة عن الأحزاب السياسية. يقول عبد الله، وهو مهندس معماري عاطل عن العمل: "لا يمكن إنجاز هذه الثورة في بضعة أيام فقط. الأمر هنا كما في أي مكان آخر، فالناس عليهم أن يفهموا أن هذه القضية هي التزام طويل المدى". ويُضيف عبد الله: "من أجل هذا نُقيم في الشوارع تحت الخيام ونحاول أن نرفع درجة الوعي، وأن نشرح للناس ما هي الخطوات التالية. وفي كل الأحوال، علينا أن نثابر بالضغط على السياسيين. إن عدنا إلى بيوتنا الآن، سيكون كل ما قمنا به عديم الجدوى".

مهمّشون ومُفقرون

في سبعينيات القرن الماضي، كان ينتظر طرابلس مستقبل مشرق. كان يوجد في المدينة ميناء بحري كبير، ومطار، ومحطة قطارات، ومصفاة نفط، وحتى معرض دولي صممه المهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيميار. لكنّ 15 عاماً من الحرب الأهلية (1975 – 1990) تلاها 15 عاماً من الاحتلال السوري جعل هذه الأحلام تذهب أدراج الرياح.

طرابلس اليوم هي إحدى أفقر مدن لبنان، وأكثر من نصف سكانها يعيشون تحت مستوى خط الفقر. في نفس الوقت، لا يُخفي الساسة المحليون ثرواتهم. فقد صنفّت مجلة فوربيس رئيس الوزراء الأسبق وقطب الاتصالات نجيب ميقاتي بين أغنى أغنياء العالم العربي. التباين الاجتماعي في المدينة صارخ، ويفسّر جزءاً من الغضب الذي يُعبّر عنه المحتجون اليوم. ففي بعض الأحيان، أكثر من ثُلثي السكان عاطلون عن العمل بما فيهم أغلبية كاسحة من الخريجين الجامعيين الذين غالباً لا خيار لديهم سوى قبول المال من الساسة. ومع مرور السنوات، أصبحت الرشوة ممارسة شائعة ومعظم الناس يتكلمون علناً عن ذلك.

الفساد والرشوة

وائل (23 سنة) بدأ العمل في سن العاشرة ليساعد أسرته. كان أثناء أيام العطلة المدرسية أو الأسبوعية يعمل أكبر عدد من الساعات يستطيعه في مصنع للمعلبات الغذائية، لكنه بعد انتهاء دراسته الثانوية لم يستطع تحمّل أعباء الدخول للجامعة. حينها دخل السياسيون على الخط. يقول وائل لموقعنا: "اتصل بي رجال نجيب ميقاتي وعرضوا دفع رسوم دراستي. في المقابل، كان عليّ أن أنشر أشياء إيجابية عنهم على مواقع التواصل الاجتماعي. قبلت الصفقة لمدة عام".

وتقول أحلام، أم لثمانية أولاد ستة منهم عاطلون عن العمل: "الفساد في كل مكان، ومن المستحيل البقاء بدونه". يقول مروان، أحد أبناء أحلام: "كثيراً ما يحدث أثناء الانتخابات أن نطلب شيئاً ما، وبالمقابل يطلبون منا قائمة بأفراد العائلة الذين يستطيعون التصويت لهم. نبيعهم أصواتنا. هذا كل ما لدينا". لا توجد أية ضمانة أن تلتزم الأحزاب بالاتفاقات، لذا يُفضّل بعض الطرابلسيين أن يُدفع لهم نقداً، ويتراوح سعر الصوت الواحد بين 50 إلى 100 دولار. لم يعد أهالي طرابلس يصدقون وعود القادة،

بخلاف الوضع في أنحاء أخرى من البلاد، حيث المظاهرات المضادة والعنف الصادر عن أنصار حزب الله وحركة أمل أديّا إلى ترويع المحتجين، تُساند الأغلبية الساحقة في طرابلس حركة الاحتجاجات. يقول وسام: "لم نعد نريد هذه المنظومة، فهي غير طبيعية. عملهم هو تحسين ظروفنا المعيشية، ومن أجل هذا اُنتُخِبوا، وليس من أجل أن يرموا لنا القليل من النقود من وقت لأخر".