لوريس زاناتا
5 تشرين الثاني عن الطبعة الإنكليزية لجريدة كلارين الأرجنتينية
ترجمة مأمون حلبي

نزوع السياسيين في أمريكا اللاتينية وما وراءها للاستشهاد بالسيد المسيح في خطاباتهم وأحاديثهم يمكن أن يكون مؤشراً لجنون العظمة واحتقاراً للديمقراطية المؤسساتية في آن واحد.

تقول الوصية الثانية من وصايا الكتاب المقدس: "فلتذكر اسم الرب بإجلال"، فمن المفترض أن يكون ذكر اسم المسيح كذلك؛ لكن عندما يتعلق الأمر بسياسيي أمريكا اللاتينية، فإن اسم السيد المسيح ينتقل من فم لفم، ومن حديث لحديث

جوليودو فيدو، وهو وزير تخطيط سابق في الأرجنتين ويقبع في السجن حالياً لإدانته بتهم الفساد، ذَكَرَ أن يهوذا قد خانه وتمت التضحية به (كما حصل للمسيح) لإنقاذ "المجرم الحقيقي". ومن زنزانته في السجن، يحمل الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا صليب المسيح أيضاً، والزيارات التي يتلقاها من مريديه شبيهة برحلات الحج. وعندما تمت محاكمة نائب رئيس الإكوادور بتهمة تلقيه أموالاً من شركة للبناء، دافع عنه حليفه رافائيل كوريا، وهو رئيس أسبق، مستشهداً بصلب المسيح.. الأمثلة كثيرة. لا أعلم إن كان هؤلاء الناس أبرياء أو مذنبين، لكني أتسأل لماذا يذكرون اسم السيد المسيح  في الدفاع عن أنفسهم! هذا الأمر يبدو تجديفاً، وغير متناسب مع حالتهم، ومثيرٌ للسخرية

نسمع اسم المسيح يُذكر في مكان آخر في هذا العالم، وليس فقط من قبل أولئك الذين سقطوا؛ فالأقوياء والمنتصرون هم أيضاً معتادون على مصادرة المسيح لحسابهم. سبل المظلومية كثيرة؛ يسأل أنصار ترامب متظلمين: لماذا تتم مقارنة النافذين في السلطة به؟ إن هؤلاء النافذين هم من يكرهون ترامب مثلما كان الفريسيون يكرهون السيد المسيح. وكم مرة قارن بيرلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، نفسه بالسيد المسيح بحجج مماثلة؟ الإجماع والسلطة لا يكفلان إرضاء أشخاص كهؤلاء، إنهم يريدون تفويضاً إلهياً واعترافاً أنهم -كالمسيح- مكروهون بسبب الرسالة الربانية التي يمثلونها، وبسبب تحطيمهم الأوثان.

مهما كانت الإيديولوجيا التي يعتنقونها، فهم ورثة المسيح، هذا إن لم يكونوا إعادة تجسيد له. يقول إيفو موراليس، رئيس بوليفيا، إن المسيح كان الاشتراكي الأول في العالم؛ لا بل الشيوعي الأول، هكذا كان رئيس كوبا الراحل يقول، ويقول معه ذلك الآلاف من الناس. لقد أسَرَّ كاسترو ل(فراي بيتو)، وهو مبشر مسيحي من جمهورية الدومينيكان، أنه لو كان للكنيسة أن تشكل دولة "لكانت قد شكلتها مثل دولتنا"- يقصد النظام الشيوعي؛ وكان تعليق بيتو على فكرة كاسترو "يمكننا أن نسمي هذا النظام خطة الله في التاريخ".

ربما كانت الحالة الأكثر غرابة هي في البرازيل، كان الأمر تقريباً كما لو أن التصويت هو على السيد المسيح، لم يكن الأمر يتعلق بأفضل طريقة لحكم البلاد، بقدر ما كان حول أي مرشح أكثر تناغماً مع إرث المسيح، كما لو كان هذا الإرث مفهوماً واحداً لا يحتمل التأويل، وبإمكان أي شخص تبنيه. ويستخلص الأتباع الإنجيليون ل(جايير بولسونارو)، الذي انتُخب مؤخراً لرئاسة البرازيل، صورة مسيح رجولي وغير متسامح، أما خصومهم فيردون بالإشارة إلى التناقضات الكثيرة بين الكتاب المقدس وتصريحات بولسونارو، فكان كل طرف يقدم نفسه بصفته مسيحاً يقاتل أعداء المسيح

لكن لماذا يلجأ الكثيرون لاقتباس المسيح والاستشهاد بأقواله؟ هناك تفسيرات كثيرة، غير أن أبرزها هو التالي: لكي تهيمن على الآخرين حَوّل الحقيقة التي تتبناها إلى حقيقة مطلقة، وتخلّص من طبيعة التاريخ العابرة وشرّف رحلتك فيه ب"علامة الله". ولكن هل للمسيح علاقة بهذا؟ بكل وضوح: لا

إن الكنائس التي قُصِد منها أن تكون حامية لرسالة المسيح، أثنت في كثير من الأحيان على أولئك الذين يستخدمون هذه الرسالة لأغراض دنيوية؛ لكن يبقى استحضار المسيح لأسباب سياسية مضاد للديمقراطية، إنه أمرٌ يفترض مسبقاً وجود مصدر للشرعية أعلى من المؤسسات التي شكلها بلدٌ ما لإدارة شؤونه، ويفترض كذلك وجود أشخاص معينين يتمتعون بامتيازات يمكن فقط لهم الوصول إلى مصدر الشرعية هذا. كثيرون يسمون هذا المصدر المسيح، لكن يمكن أن يتخذ أسماء أخرى كالحزب، العرق، الطبقة، أو الأمة؛ وبهذه الطريقة يتم تحويل المسيح إلى وثنٍ معبود، وهذه الأداة التي شاع استعمالها تذكرنا كم أن مؤسساتنا الديمقراطية يافعة وهشة، ومعرضة للتداعي والسقوط.

إن الديمقراطية  هي الحقل العام الذي يقوم فيه المواطنون، على اختلاف معتقداتهم، بمقارنة الحجج واستخدام إجراءات توافقية في صنع القرار؛ والمسيح سلاح غير مناسب إطلاقاً عندما يتم زجه في عالم السياسة، لذا اتركوه خارج هذا العالم.