سوريون يائسون يفرون من لبنان إلى تركيا عبر سوريا

هارون الأسود
The Middle East Eye  13 أيلول
ترجمة مأمون حلبي

لقد كان سامر شموط هنا من قبل. فقد حاول العبور من محافظة إدلب السورية إلى تركيا 12 مرة دون أن ينجح، وهو ينتظر الآن في قرية صغيرة تقع قرب الجدار الحدودي من أجل المحاولة رقم 13.

شأن كثيرٍ من السوريين، يتحرق شموط للخروج من بلده الذي مزقته الحرب وبلوغ الأراضي التركية التي تنعم بالأمان، لكنه خلافاً للآلاف الذين ينتظرون على امتداد الحدود، فقد قضى السنوات الثماني الماضية في لبنان، وهو حسب رأيه بلدٌ عدائي لدرجة أنه قد خاطر بالعودة إلى سوريا كي يصل إلى تركيا. يقول شموط لموقعنا: "تركت خلفي في لبنان كثيراً من اللاجئين الذين يخشون إرجاعهم إلى سوريا دون أن يكونوا قادرين على تحمل نفقات العبور اللاشرعي إلى تركيا. لا أستطيع العودة إلى سوريا، حيث لا يوجد عمل وأخشى أن يُقبض علي أو يتم سوقي للخدمة العسكرية وإجباري على قتل الناس. فأنا لا علاقة لي بالحكومة السورية أو بالمتمردين أو بالوضع السياسي أو بالحرب. عملت 8 سنوات في لبنان لأعيش وأساعد والداي"

ثمنٌ باهظ مقابل الأمان

في بدايات عام 2017 بَنَت السلطات التركية جداراً على طول الحدود السورية التركية وعززته بعدد كبير من الحراس، وهذا ما جعل اجتياز الحدود يقارب المستحيل إن لم تُدفع ثروة صغيرة للمهربين الذين قد ينجحوا وقد يفشلوا في إدخال الناس إلى تركيا. هنا في أقصى الشمال السوري، استقر عشرات الآلاف من الناس في خيام رثة، وقد دُفع عددٌ كبير من سكان هذه المخيمات العشوائية مؤخراً للرحيل إلى الشمال بفعل هجوم عنيف شنته القوات الموالية للحكومة السورية، هذا الهجوم الذي قتل قرابة ألف مدني منذ شهر نيسان.

ثمة فرق صارخ بين الجانب السوري والجانب التركي على طرف الحدود، لا سيما ليلاً عندما تكون القرى التركية مضاءة بالكهرباء بينما تكون الخيام في سوريا غارقة في العتمة. على الحدود هناك تواجد عسكري تركي كثيف. أحد السماسرة الذي يعمل لصالح مهرب يقول لموقعنا أنه توجد نقاط مراقبة صارمة على الجانب التركي للحدود، وأن السوريين يدفعون مبالغ كبيرة ليتم تهريبهم إلى تركيا. يقول السمسار: "تكلفة العبور اللاشرعي إلى تركيا تتراوح بين 800 و 3000 دولار."

بضائع بشرية

قالوا لشموط أن العبور من لبنان إلى تركيا سيستغرق 3 أيام، ويتخلل ذلك السفر مسافة حوالي 150 كم ضمن الأراضي السورية. جزءٌ صغير من هذه المسافة تسيطر عليه الحكومة، وجزءٌ آخر يسيطر عليه المتمردون، "لكن الرحلة استغرقت أسبوعين لأن طرق التهريب كانت مقطوعة بسبب التصعيد في إدلب". تنكّر شموط والسوريون الآخرون في مجموعته بصفتهم منتمين للعسكريين الروس. "بعد عبور الحدود اللبنانية نُقلتُ في سيارة فخمة مع رسالة رسمية مكتوبة باللغتين الروسية والعربية. كانت الرسالة مختومة بالختم الرسمي لقاعدة حميميم، وتطلب عدم تفتيش السيارة. أقمت مدة 10 أيام مع فارين آخرين شمال حماة في مناطق تسيطر عليها الحكومة وتبعد عدة قرى عن مناطق المعارضة. عند نقطة التلاقي سلم المهرب المرتبط بالنظام كيساً كبيراً من النقود للمهرب المرتبط بالمتمردين وقال له باسماً 'خذ هؤلاء ال 15 شخصاً القادمون من لبنان' شعرتُ كما لو أني كنت سلعة." دفع شموط للمهرب العامل في مناطق النظام 3 آلاف دولار لقاء نقله من لبنان إلى محافظة إدلب.

الجدار

فجأة يُدعى شموط مع آخرين كان مسافراً معهم لمقابلة المهربين الذين كانوا سيأخذونه في آخر مراحل رحلته. يختفي اللاجئ في غرفة مجاورة وتبدأ الصرخات تتعالى. يخرج اللاجئ من الغرفة وقد تملكه الغضب، ويتهم المهربين أنهم مخادعون، فقد كانوا قد قالوا لشموط أن الخطة قد تغيرت وأن عليهم الآن أن يقفزوا من فوق السور لأن ضابط الدورية الحدودية الذي ينسق مع المهرب ليس موجوداً.

يوضح اللاجئ، الغاضب حد الهياج، أنه دفع 2000 دولار من أجل تنسيق مروره مع حرس الحدود التركي ليعبر بسلام، لكن المهرب الآن سيجعله يسلك طريقاً يدفع مقابله السوريون عادة مبلغ 800 دولار. أحد المهربين أيضاً ليس سعيداً بتغير مسار الأمور، فأثناء محاولة سابقة جرح نفسه أثناء تسلق الجدار، وهو مذعور من تكرار المحاولة. يتنهد شموط بعصبية منتظراً محاولته رقم 13 للعبور إلى تركيا. "رغم أن بعض اللاجئين قد رُحّلوا من تركيا، أنا متأكد أني سأكون قادراً على العيش بسلام. فالعيش في تركيا أفضل بكثير من العيش في لبنان." 

حالما ينتهي الانتظار، يتجهز 35 شخصاً معظمهم هاربون من لبنان، لدخول تركيا بطريقة لاشرعية. يقطع المهرب الأسلاك الشائكة التي تفصلهم عن السور، ويبدأ اللاجئون بالقفز من فوق الحاجز.. يلعلع الرصاص، ويبدو صوت حراس الحدود الواصلين في مركباتهم أكثر قرباً.. 5 فقط من أصل 35 شخصاً يفلحون بالهروب إلى تركيا، أما شموط فقد ألقي القبض عليه.