سقوط حلب لن يُنهي النزاع في سوريا

حايد حايد
الغارديان/ 8 كانون الأول
ترجمة مأمون حلبي

لن يُنهي سقوط حلب النزاع ولن يأتي بمزيدٍ من الاستقرار إلى البلاد. لقد أدى الهجوم المستمرّ من قِبل النظام السوريّ للاستيلاء على بقية الطرف الشرقيّ من المدينة إلى السيطرة على حوالي 75% من المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمرّدين. غير أن التقدم السريع للنظام في الأيام القليلة الماضية طرح كثيراً من الأسئلة حول التأثير الذي سيُحدثه سقوط حلب على النزاع السوريّ الأوسع.

سيكون الاستيلاء على المدينة إنجازاً مهماً لنظام الأسد وحلفائه، وتراجعاً ليس بالقليل بالنسبة إلى المتمرّدين. لهذا، ثمة افتراضٌ عامٌّ أن سقوط حلب هو علامةٌ على بداية حلٍّ عسكريٍّ أوسع للنزاع في سوريا لصالح النظام. لكن مصير المدينة المحاصرة وحده لن يكون العامل الحاسم في النزاع السوريّ. إن افتراض ذلك يعني تجاهل حقيقة أن النظام يسيطر على أقل من ثلث أراضي البلاد، وأن الشروط التي أدّت إلى التقدّم السريع في حلب قد لا تنطبق على مكانٍ آخر.

لقد أتاح القصف الروسي المكثف، والأعداد الكبيرة للميليشيات البرية المدعومة إيرانياً، لقوات الأسد حصار حلب الشرقية وتطبيق تكتيكات التجويع في منتصف أيلول على حوالي 250 ألف شخص. كما أعاق نقص الدعم المرسل إلى مجموعاتٍ متمردةٍ في شمال سوريا محاولةً قريبةً لفك الحصار عن المدينة.  وقد أدّت الانقسامات الداخلية بين جماعات المتمرّدين في حلب الشرقية، والاقتتال بينها أثناء هجوم النظام، إلى أداءٍ عسكريٍّ بائسٍ ساعد في تقدم النظام، الذي استغل حالة الاستحواذ وفراغ السلطة الناتجين عن الانتخابات الرئاسية الأميركية فأطلق هذا الهجوم الحاسم.

على الأرجح، سيكون من الصعب تكرار هذا الأمر، ولن يكون سهلاً استنساخ تكتيكات الحصار نفسها في شمال سوريا، التي تشترك بآلاف الكيلومترات من الحدود مع تركيا، والتي يمكن استخدامها لمصلحة المتمرّدين الاستراتيجية. وفي حين فجّر حصار حلب الشرقية الاقتتال الداخليّ، فإن مجموعات المتمرّدين في بقية شمال سوريا هي جزءٌ من تحالفاتٍ أكبر تمدّهم بالحماية وتجعل إمكانية شقاقٍ كهذا في صفوفهم ضئيلة؛ وحتى ضئيلةً أكثر بعد خسارة حلب.

يُقدّر عدد المتمرّدين الذين ما زالوا يقاتلون داخل البلاد بحوالي 150 ألفاً. إن رفض جماعات المتمرّدين مغادرة حلب رغم فرصهم الضئيلة هو مؤشرٌ على مقدار مدى التزام الجماعات الأخرى بالدفاع عن أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، ما زالت القوى الإقليمية -السعودية وقطر وتركيا- تستثمر في معارضة الأسد، وتبقى، وبشكلٍ نشط، ضد أي حلٍّ يُتيح له أن يحكم البلاد. نتيجةً لهذا، من المُرجّح أن يستمرّ النزاع لوقتٍ طويل، حتى وإن اتخذ أشكالاً عسكريةً مختلفة، وبالرغم من الدعوات إلى وقفٍ لإطلاق النار.

ما زال الشكل الذي ستتخذه سياسة ترامب تجاه سوريا غير واضح. ومع ذلك، يشير التفويض الصادر عن الكونغرس بتسليح المتمرّدين السوريين بصواريخ مضادةٍ للطائرات لأول مرّة، إلى شهيّةٍ هناك، على الأقل، لسياسة أكثر عدائيةٍ تجاه سوريا. تصميم ترامب على إضعاف إيران، الذي لا يمكن تحقيقه دون تقليص نفوذها في الشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا، قد يُستخدم أيضاً كعاملٍ مؤثرٍ في زيادة الدعم الأميركيّ للمتمرّدين. تقدّم الأسد يقوّي أيضاً تنظيم الدولة والجماعات المتطرّفة الأخرى كجبهة فتح الشام، التي تستمرّ في استخدام معارضة النظام كأداة تجنيد. كما أن عجز النظام على البقاء دون دعمٍ من حلفائه يجعل أيّ محاولةٍ للانتصار عسكرياً مستحيلةً دون موافقتهم. وبالرغم من الأهداف قصيرة المدى التي تشترك فيها كلٌّ من إيران وروسيا في إنقاذ نظام الأسد، فإن للدولتين خططاً بعيدة المدى متناقضة. تهدف روسيا إلى الحفاظ على النظام والدولة كليهما، في حين تهدف إيران إلى إنقاذ النظام لكن مع خلق دولةٍ ضعيفةٍ للحفاظ على نفوذها هناك، على غرار الوضع في لبنان والعراق. إن الاستمرار في الحلّ العسكريّ يخدم خطة إيران، لأنه يحول سوريا إلى دولةٍ فاشلةٍ بشكل دائم. نتيجةً لذلك سيتغير هذا الحلف الثلاثيّ في مرحلةٍ ما، مما يمنع الأسد من تحقيق نصرٍ عسكريٍّ حصري.

عندما بدأ السوريون بالمطالبة سلمياً بإصلاحٍ سياسيّ، لم يتوقعوا أن كفاحهم سيصل إلى هذه النقطة المأساوية. إن سقوط حلب سيكون، مع ذلك، مرحلةً هامةً تمضي بالنزاع إلى مرحلةٍ أكثر هولاً مما تصورناه.