سرقة الأثاث المنزليّ في دير الزور

بعد سرقة الأثاث | منزل من حي المطار القديم

استباحت قوّات الأسد بجنودها وضباطها، وبتشكيلاتها وأسمائها المختلفة، المدن والقرى على امتداد البلاد، لتكون بحقّ عصابة السرقة الأكبر في سوريا، وتشهد على ذلك أسواق الأثاث المسروق في المناطق الموالية للأسد. ومن جانبٍ آخر هناك عصاباتٌ لصوصٍ كثرٍ ليست من النظام، تعمل في المناطق المحرّرة، مستغلةً الفوضى الناجمة عن الحرب وغياب الرادع أو العقاب.

وفي دير الزور نزح السكان من كافة أحياء المدينة المحرّرة، وبنسبٍ متفاوتة، هرباً من القصف المتواصل، مما أتاح الفرصة للصوص لينهبوا بيوت النازحين، كما يقول عمر، وهو شابٌّ يقيم في حي الحميدية المحرّر وسط المدينة. ويضيف: أذكر أن هذا الحيّ - ذا الكثافة السكانية الضخمة - خلا من قاطنيه، باستثناء عجوزٍ هنا وآخر هناك. واستمرّ هذا الحال لفترةٍ طويلة، فمن الطبيعي أن تحدث السرقة، إذ كان لصٌّ واحدٌ يستطيع سرقة حارةٍ كاملةٍ دون أن يراه أحد.
وأما في الأحياء التي احتلتها قوّات الأسد ثم استطاع الثوار تحريرها، مثل الصناعة والمطار القديم، فقد عملت هذه القوّات على سرقة معظم البيوت أو إطلاق يد اللصوص فيها، كما يروي أبو محمد، وهو من سكان حيّ الصناعة، إذ يقول: نزحت عائلتي بعد اقتحام قوّات النظام للحيّ، وبقيت في منزلي. كان ضباط الجيش يقومون ببيع الأبنية للصوص؛ نعم يبيعونها للصوص، إذ يقوم الضابط المسؤول بالسماح للسارق بإخلاء البناء خلال مدّةٍ معينةٍ من الوقت لقاء مبلغ. وتبلغ الوقاحة بهم أن يقوموا بعرضها على شكل مزاد، ومن يدفع أكثر في الساعة يحظى بالصفقة!
وبحسب ما يُسمع من أحاديث النازحين، الذين لا يكفّون عن المغامرة بزيارة منازلهم تحت القصف، لتفقدها من السرقة أو التدمير بفعل القذائف؛ يركز اللصوص على الأدوات الكهربائية من الغسالات والبرادات وأجهزة التكييف وما إلى ذلك. وغالباً ما يدفع أصحاب المنازل مبالغ كبيرةً لنقل هذه الأدوات الى أماكن نزوحهم. ويعلق عبد الرحمن، وهو مقاتلٌ من الجيش الحرّ: لا أنكر حدوث سرقاتٍ بشكلٍ كبيرٍ في المدينة. لكن، حتى عندما كان الأهالي في منازلهم، والنظام قائماً، كانت السرقة تحدث وباستمرار. السرقة موجودةٌ منذ القدم، فما بالك في وضع الحرب والفوضى الحاصلة، عندما تصعب السيطرة على هذا الأمر. رأيت الكثيرين من قبل يدخلون منازل ويخرجون الأثاث والأمتعة، ولا أعلم حقيقةً إن كانوا أصحاب المنزل أم لصوصاً، إذ لم تكن هناك آليةٌ لمعرفة ذلك. وفي الحقيقة لم نكن نلتفت إلى هذا الأمر، إذ لم نكن نعتقد أن أحداً يفكر بالسرقة وبلدٌ بأكمله يُدمّر وأرواحٌ تُزهق. أما عبد الله، وهو مقاتلٌ آخر كان يرابط على جبهات حيّ الصناعة، فيذكر أنهم لم يهتموا أبداً للأثاث لأن المنازل ذاتها كانت تتعرّض للقصف والتدمير في كل يوم. ويضيف بأنهم لم يخرجوا أثاثاً من أيّ منزلٍ إلا بدافع الحاجة لاستخدامه في ذلك الوقت. ولا ينكر بعض السلوك الفوضويّ الذي مارسه بعض المقاتلين في التعامل مع البيوت المفتوحة، وإن كان هذا بنوايا حسنة. ولا يبالي أبو محمد، وهو نازحٌ في مدينة الميادين، بما سُرق من منزله بحيّ المطار القديم، ويحاول أن يخفف من حدّة اللهجة في شكوى زوجته من سرقة غسالتها الأوتوماتيكية، ويعلق بأن الكثير من البيوت دمرت وسويت بالأرض، وبيتهم لم يُصب بأية قذيفة، ثم إن البيت كله غير مهمٍّ بالمقارنة مع الخلاص من المجرم بشار الأسد، كما يقول.
وتحاول الهيئة الشرعية منذ مدّة القضاء على هذه الظاهرة، من خلال تقييد عمليات نقل الأثاث داخل المدينة وإلى خارجها بقراراتٍ تمنع ذلك من دون الحصول على إذنٍ رسميّ، وبعد إثبات صاحب الأثاث ملكيته له. وتبذل الهيئة جهوداً كبيرة لملاحقة اللصوص والتصدّي لهم، وخاصة مع تطوير هؤلاء لأساليبهم، مثل تجميع المسروقات في بيوتهم الحقيقية بالتدريج، ثم طلب إذن الهيئة لنقل هذا الأثاث إلى خارج المدينة، ثم بيعه!