زواج السوريات من المقاتلين الغرباء.. مشكلة مستمرة بين الوصمة والضياع

جدارية من إدلب

وجدت سماح نفسها في مأزق حقيقي بعد ولادة طفلها، في ظل انقطاع أخبار والده الذي اختفى فجأة. تضاربت مشاعرها بين الفرحة حين التقط طفلها أنفاس الحياة، والحزن لكونه دون أب وسند، والخوف عليه من مجهول يكتنف مصيره، وعالم جديد قد لا يعترف به.

تساؤلات عديدة لا تعرف سماح لها جواباً؛ كيف ستحصل على هوية لولدها، وماذا ستخبره عن أبيه حين يكبر، وكيف ستتحمل وحدها مسؤولة تربيته، وتحميه من نظرة المجتمع الذي نبذه وأسماه مجهول الأب؟ .

لم يستمر زواج الشابة سماح من مهاجر مغربي سوى ستة أشهر، ثم انقطعت أخباره، ولا تعرف عنه سوى أنه من المغرب، ويكنى بـأبو عبادة المهاجر" جاء إلى سوريا للقتال في صفوف الجيش الحر، ثم خرج في مهمة قتالية ولم يعد، فيما بقيت وحيدة في مواجهة نبذ مجتمعي ونظرة دونية.

سماح الأخرس (21 عاماً) من مدينة حارم، هي إحدى  النساء اللواتي وقعن ضحايا الزواج من مقاتلين أجانب وصلوا إلى مناطق شمال غرب سوريا منذ بداية الحرب السورية بهدف المشاركة في القتال، وأقدموا على الزواج من السوريات تحت مبرّرات عديدة، منها الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، وغياب الأمان، وضرورة "ستر" الفتيات و"تأمين مستقبلهن“. علماً أن الكثير من هذه الزيجات انتهت بالطلاق أو موت الزوج أو اختفائه فجأة، دون أن تتمكن الزوجة من الحصول على حقوقها أو إثبات نسب أبنائها.

تتحدث سماح لـعين المدينةبقولها: "تأثر أبي بأفكاره ومعتقداته، وخاف من سلطة الفصيل الذي ينتمي إليه، فأجبرني على الزواج، لأدفع ثمن تلك الخطوة طيلة حياتي". وتبين أن علاقتها بزوجها كانت جيدة، ولكن زواجها انتهى بمجرد رحيله، حيث انقطعت أخباره، وتباينت الاحتمالات بين موته في الحرب أو العودة إلى بلاده.

تقول المرشدة الاجتماعية براءة الكيال لـعين المدينةإن "تداعيات الحرب من نزوح وتشرد وغلاء في المعيشة أجبرت الكثير من العائلات السورية على تزويج بناتها من أول شخص يطرق بابها، وخاصة بعد انتشار الفتاوى الشرعية التي تشجع على الزواج المبكر وتعدد الزوجات، الأمر الذي جعل الشبان الأجانب الذين جاؤوا للجهاد يستغلون هذه الأسباب للزواج من السوريات".

وتشير الكيال إلى أن بعض النساء يشعرن بأنَّه ليس لديهن خيارات أخرى، وهناك أخريات يكن مُتحمسات للزواج بشخص يرونه شجاعاً وبطلاً، كما أن انتماء الزوجة إلى عائلة فيها مقاتلون في الفصائل العسكرية، هو عامل آخر للموافقة على الزواج من مقاتلين أجانب.

وتؤكد الكيال على ضرورة توعية المجتمع بمخاطر هذا النوع من الزواج، والجهل بأصول هؤلاء المهاجرين الحقيقية وغاياتهم، في ظل عدم الاطلاع على هوياتهم الحقيقية، أو أية أوراق رسمية تثبت ما يقولونه أو يدعونه عن أصولهم، وولادة أطفال مشتتي النسب والإقامة، مما يؤثر في استقرار الأسرة والمجتمع.

ظروف الحرب وثقافة المجتمع

النزوح وعدم الاستقرار وتأخر سن الزواج دفع العديد من الأسر لتزويج بناتهم حتى لو كان العريس أحد المهاجرين، بهدف التخلص من مسؤولية الفتيات، وبدعوى "الستر عليهن" في ظل انعدام الأمان، وكثرة حوادث الخطف، وتراجع مستوى التعليم، وهجرة الكثير من الشبان إلى خارج البلاد .

علا الشعراوي (30 عاماً) نازحة من معرة النعمان إلى مخيم أطمة الحدودية، وافقت على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاماً للتخلص من حياة الفقر وتحكم زوجة الأب، ووصمة المجتمع نتيجة تأخرها بالزواج، وعن ذلك تقول: "بعد وفاة أمي، بقيت مع والدي أتحمل تسلط زوجته الجديدة، الأمر الذي دفعني للموافقة على الزواج من صديق أخي المنتسب لهيئة تحرير الشام (مصري الجنسية)، ولكن بعد سنة من زواجنا قُتل، وعدت بخيبة الأمل إلى أهلي من جديد“.

تؤكد الشعراوي أن حياتها مع زوجها لم تكن أقل تعقيداً، فقد كانت تعيش وكأنها داخل سجن، بسبب التضييق الكبير عليها من قبل زوجها الذي يعتبر المرأة "عورة"، ولا يعطي أي اعتبار لرأيها لمجرد أنها امرأة، وقد منعها من رؤية الناس، وحتى من زيارة منزل أهلها.

عقود شكلية وأطفال بلا نسب 

تتحمل النساء اللاتي يتزوجن هؤلاء المقاتلين الكثير من الأعباء، منها وصمة "الزواج الباطل" و"أرامل الجهاديين“. لكن الخطر الأكبر من هذا الزواج يكون على الأطفال بسبب ضياع نسبهم، وعدم القدرة على معرفة هوية الأب الحقيقية، وهو ما يجردهم من حقوقهم كالتعليم والرعاية الصحية والهوية. فقد وقعت الكثير من النساء اللواتي تزوجن من المقاتلين الأجانب في مشكلة إثبات نسب أبنائهن، إذ يخفي معظم الجهاديين الأجانب أسماءهم الحقيقية لـ"دواعٍ أمنية" أو أسباب شخصية، فيما تضطر كثيرات لتسجيل أطفالهن على أسماء آبائهن أو إخوتهن من أجل ضمان بعض الحقوق المؤقتة لهم.

المحامي أيمن العلوان (48 عاماً) يشرح لـعين المدينةالأثر القانوني المترتب على زواج السورية من أجنبي بقوله: "معظم هذه الزيجات تتم خارج نطاق المحاكم الشرعية، ومن خلال عقد زواج يبرمه أحد رجال الدين بحضور شاهدين، وغالباً دون أن يفصح المهاجر عن اسمه الصريح، والاكتفاء بالكنى والألقاب أو الأسماء المستعارة، أو استخدامه أوراقاً ثبوتية مزورة، مما يحرم النساء من حقوقهن في حال الطلاق أو تخلي الزوج“.

ويشير إلى أن المحاكم الشرعية المنتشرة في الشمال السوري لا تعترف بالزواج من أشخاص مجهولي الهوية، ولا تقرّ بتثبيت نسب الأطفال، وتسجل عقود زواج السوريات من أجانب في حال كان الزوج يحمل أوراقه الثبوتية، ويمكنه استخراج دفتر عائلة من أي محكمة متوفرة في المنطقة، ولكنه غير معترف به إلا داخل المناطق المحرّرة، وهم حكماً وقانوناً مجرّدون من الحقوق المدنية السورية".

ويؤكد أن الأعداد الحقيقية للأطفال الذين يعانون من مشكلة النسب المجهول في الشمال السوري أكبر بكثير مما جرى توثيقه، بسبب تكتم عشرات الأسر السورية عن وجود هذه الحالات.

ووفقاً لإحصائيات حملة "مين زوجك" التي انطلقت في الشمال السوري عام 2018، فقد بلغ عدد النساء المتزوجات من مقاتلين أجانب حتّى أذار 2018، حوالي 1735 سيّدة، أنجبت منهنّ 1124 امرأة، فيما وصل عدد الأطفال إلى 1826 طفلاً. على أن كل ذلك لا يعني توقف الزواج من أجانب حتى الآن!.