رحلة البحث عن الرعاية الصحية في ريف إدلب

قصف على أحد المشافي في ريف إدلب - بلدي نيوز

رغم وجود المراكز الصحية والمعالجة الفيزيائية في الشمال السوري، إلا أن قسماً كبيراً من النازحين لا يستطع الوصول إليها بسبب عدم توفرها في جميع مناطق النزوح الأخير، ما دفع نازحين إلى المطالبة بتوفير عيادات طبية متنقلة لفحص المرضى، وتقديم العلاج اللازم وخصوصاً في المخيمات التي تم إنشاؤها مؤخراً.

في ظل الظروف التي تفرضها حملة الطيران الروسي وجيش وميليشيات النظام، تزايدت الإصابات نتيجة القصف وتزايدت معها الحالات التي تحتاج إلى علاج فيزيائي، وذلك عسكاً من عدد مراكز المعالجة الفيزيائية ودور الرعاية الصحية، ما استدعى وأوجب زيادة العلاج الفيزيائي مع قلة المراكز وتعرض أغلبها للقصف الجوي. يقول المعالج الفيزيائي معاذ الشرتح "الأعداد التي وصلت إلى المراكز كبيرة جداً، حسب إحصائيات فإن 40 بالمائة من السكان المتواجدين في إدلب وريفها وحلب والرقة بحاجة لعلاج فيزيائي، ومع هذه الزيادة في الأعداد زادت الحاجة لأدوات العلاج الفيزيائي، مثل الكراسي المدولبة وكراسي التواليت والعكازات المرفقية والعكازات الإبطية والمشدات المدعمة".

بعد أن جمع أثاث منزله على عجل وحمل أطفاله على وجه السرعة باتجاه الريف الشمالي، تعرض عبد الله العيدو من بلدة حاس في ريف إدلب الشمالي إلى حادث سير على طريق سرمين أدى إلى كسر في رجله وتضرر حوضه، وبعد أن أجريت له علمية جراحية لزم الفراش لعدة أشهر، وقد اضطر إلى استئجار منزل قريب قدر الإمكان من المستشفى لمتابعة علاجه، إذ يحتاج إلى علاج مستمر من خلال حضور جلسات معالجة فيزيائية في المراكز، ولكن بعد مسافة الطريق ووعورتها يتسببان بتدهور حالته الصحية. يقول العيدو مدير المدرسة السابق لعين المدينة: "بسبب الضغط الكبير على المستشفيات اضطررت لتأمين معالج فيزيائي رفض أخذ أجر مادي مقابل عمله، يجري لي جلسات أسبوعية داخل المنزل".

 يشرح المعالج الفيزيائي الشرتح لعين المدينة أن العديد من مراكز المعالجة الفيزيائية البديلة ظهرت بعد أزمة المصابين في الفترة الأخيرة والاكتظاظ السكاني الكبير في الشمال السوري، من ضمنها مراكز تقوم بجولات خارجية إلى المنازل، خاصة لتفقد حالات الإصابة الحربية الشديدة والشلل النصفي والفالج الشقي والجلطات الدماغية، أما حالات مثل الدسك والإصابات الحربية الخفيفة فأصحابها بحاجة إلى زيارة مركز معالجة فيزيائية بأنفسهم. على أن الشرتح نوه إلى أن هناك "شح شديد في الأجهزة التي يحتاجها المرضى نسبة إلى أعداد المراجعين بشكل يومي، وخصوصاً الأجهزة التي يحتاجها المريض ليتم علاجه بشكل صحيح وناجح، وكذلك نحن بحاجة إلى إنشاء مراكز معالجة فيزيائية في المناطق الحدودية من أجل تغطية أكبر قدر من النازحين".

في إحدى الخيام العشوائية قرب مدينة سرمدا في ريف إدلب الشمالي وسط انعدام كافة مقومات الحياة، يجرب الطفل محمد جمعة (11 عاماً) مرارة النزوح من بلدته برفقة أمه وأخوته الصغار، وذلك بعد القصف العشوائي التي تعرضت له مناطق ريف إدلب الجنوبي. يزيد من ألم الطفل معاناته نقص حاد في الوزن وسوء التغذية، وقد أخبر الطبيب والدته أن أيامه معدودة في الحياة إن لم يتلق علاجاً تحت إشراف المستشفى، بسبب الجفاف الشديد الذي يعاني منه. توفي والد الطفل منذ 5 سنوات وتعاني الأم وأطفالها من ضائقة مادية كبيرة، ومع اشتداد الحملة الجوية "خرجنا بثيابنا هائمين على وجوهنا بحثاً عن مكان آمن أحمي به أطفالي" تقول الأم، وأضافت بأن "حالة محمد باتت تسوء يوماً بعد يوم ولم نجد المستشفى المناسب الذي يمكن أن نسعفه إليه، لقد كان الطفل يموت أمامي وسط عجزي عن فعل أي شيء، حتى عرفت بمستشفى يضم قسم التغذية في منطقة سرمدا ويتابع حالات التغذية بشكل مستمر".

مع وصول الطفل محمد إلى مستشفى سرمدا الحدودي، قام الكادر الطبي بإجراء المعاينات اللازمة للطفل وتقديم العلاج السريع، وإبقائه في المركز تحت العناية من أجل تدارك حالته، بعد وصوله إلى مراحل متقدمة في المرض. تشرح المعالجة في قسم التغذية في مشفى شام سمر الخالد أن القسم يستقبل يومياً عشرات الحالات لأطفال يعانون من أعراض سوء التغذية، ويتابع حالات بعضهم في المخيمات. تقول الخالد: "نتابع خدماتنا في مجال التغذية بالتنسيق مع منظمة اليونيسف لرعاية الطفولة من خلال القيام بفحص الأطفال والنساء الحوامل المرضعات، ويتم تحديد الحالات المرضية وتقديم العلاج من خلال الأطعمة المخصصة، بالإضافة إلى زيارة المخيمات والكشف عن حالات الأطفال فيها".